مقالات وآراء

السيد ولد الغيلاني يكتب: عندما يصبح حلق شعر الرأس عقوبة: انتكاسة حقوقية في أرض الرجال

ما تعرّض له المدون أعلي ولد بكار ليس مجرد انتهاك فردي، بل هو نموذج مصغّر لثقافة سلطوية متجذّرة، تقوم على تكميم الأفواه وتغليب منطق القمع على دولة القانون والمؤسسات.

ولفهم أبعاد هذه الحادثة، نستعرض جوانبها القانونية والسياسية والرمزية، مع تقديم حجج واضحة وبديهية للتنديد بهذا الفعل.

أولاً: البعد القانوني – خروقات جسيمة
انعدام الأساس القانوني للحبس: لا يوجد في التشريع الموريتاني نص يجرّم نشر “معلومات مغلوطة” إلا في سياق القذف أو الافتراء، ما لم تُثبت الدولة أن المحتوى كان ضارًا بالأمن العام وفق معايير دقيقة.
حلق شعر الرأس قسرًا:
يخالف المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تحظر المعاملة القاسية أو المهينة.
يمثّل شكلًا من أشكال التعذيب الرمزي، يهدف إلى الإذلال والإخضاع لا إلى تحقيق العدالة.

يذكّر بممارسات الأنظمة الشمولية، ويُعد عقوبة اجتماعية غير مكتوبة لا مكان لها في دولة القانون.


ثانياً: البعد السياسي – تكريس الدولة البوليسية
عسكرة الحياة المدنية: استخدام المؤسسة العسكرية (الدرك) في تنفيذ العقوبة يعكس تغوّل الأجهزة الأمنية وتجاوزها للسلطة القضائية.
غياب الرد المؤسسي: الوزارة المعنية لم تصدر بيانًا رسميًا، واكتفت بالرد عبر القوة الأمنية.
الترهيب المجتمعي: الهدف ليس معاقبة فرد فحسب، بل بث الرعب في أوساط النشطاء والمدونين، وإيصال رسالة مفادها: “من ينتقد، يُهان”.


ثالثاً: البعد الرمزي – إهانة المواطنة
حلق الشعر ليس إجراءً إداريًا، بل انتهاك رمزي لهوية الإنسان وكرامته.
هذه الممارسات تُحدث كسرًا نفسيًا ومعنويًا للفرد، وتهدف إلى تحطيم صورته الاجتماعية أمام مجتمعه.

تعيد إلى الأذهان أساليب الاستعمار – الفرنسي خاصة – التي كانت تستخدم الإذلال الرمزي ضد المقاومين.

رابعاً: التداعيات الخطيرة
فقدان الثقة في العدالة: حين تفشل مؤسسات الدولة في حماية الحريات، يلجأ الناس إلى السخط وربما العنف.
تآكل شرعية الدولة: تبرير القمع باسم “الأخبار الزائفة” يوقع الدولة في تناقض صارخ، فكيف تصف نفسها بالديمقراطية وتمارس هذه الانتهاكات؟

العزلة الدولية: في زمن الرقابة العالمية على حقوق الإنسان، قد تجرّ مثل هذه الأفعال موريتانيا إلى القوائم السوداء.

خامساً: الرد المطلوب
تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في حادثة الاعتقال وسوء المعاملة.
اعتذار رسمي من الدولة ورد الاعتبار للمدون.
إطلاق حملة تشريعية لتجريم جميع أشكال العقوبات غير القانونية.

تعزيز حرية التعبير وضمان سلامة المدافعين عن البيئة وحقوق الإنسان.

خاتمة
ما حدث مع أعلي ولد بكار هو امتحان حقيقي للدولة الموريتانية: إما أن تختار طريق الديمقراطية وسيادة القانون، أو أن تغرق في مستنقع السلطة الأمنية. وعلى المجتمع المدني والإعلام والنخب أن يتحمّلوا مسؤولياتهم في هذه اللحظة المفصلية.

نواكشوط – 14 أغسطس 2025
السيد ولد الغيلاني

المدعي العام لدى المحكمة العليا سابقًا
رئيس المحكمة العليا سابقًا
رئيس الهيئة القضائية لاتحاد المغرب العربي سابقًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى