أخبار وطنية

السيدة وزيرة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة: حقوق المعاقين حبر على ورق / محمد عبد القادر

فئة الأشخاص المعاقين في موريتانيا شريحة عريضة من المجتمع يبلغ تعدادها حوالي 500.000 معاق، حسب الإحصائيات الرسمية، وتتمتع هذه الفئة من المجتمع بالكثير من الحقوق التي منحها لها الدين الإسلامي أولا، قبل أن تأتي القوانين الدولية مكرسة لهذه الحقوق، بدءا بالاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة (CRPD) الصادرة عن الأمم المتحدة، واعتمدتها الجمعية العامة في 2006.12.13 ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ: 2008.05.03 والهادفة إلى حماية حقوق وكرامة الأشخاص ذوي الاعاقة، وتم تتويج هذه الاتفاقية ببروتوكول اختياري يتيح للأشخاص أو المجموعات تقديم شكاوى إلى لجنة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة اذا انتهكت حقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقية.

بتاريخ: 2009.09.22 تم توقيع اتفاق بين الدولة والمفوضية السامية لحقوق الانسان، بهدف إنشاء مكتب اقليمي للمفوضية في انواكشوط. وفي 2010.12.9 تم افتتاح المكتب رسميا، ومنذ إنشاءه وهو يرصد حالة حقوق الانسان في البلد ويقدم المساعدة التقنية للحكومة ومنظمات المجتمع المدني.

وتمت المصادقة من طرف الدولة الموريتانية على هذه الاتفاقية وبروتوكولها الاختياري بعد 4 سنوات من دخولها حيز التنفيذ، أي بتاريخ: 2012.04.03 ووفقا لمقتضيات الاتفاقية فإن على موريتانيا، أيضا، أن تقدم تقريرها الأولي خلال سنتين من تاريخ التصديق، أي في شهر ابريل 2014، وهو ما لم يتم، حيث تأخر هذا التقرير لمدة 3 سنوات، إذ لم يتم تقديمه إلا في: 2017.01.31.

وقد انعقدت “اللجنة المعنية باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة”، وهي هيئة خبراء مستقلين تراقب تنفيذ الاتفاقية من قبل الدول الأطراف، للمرة الأولى لمناقشة التقرير الأولي لموريتانيا، في جلستيها 668 و 669 المنعقدتين في 24 و 25 أغسطس 2023، واعتمدت الملاحظات الختامية في جلستها 683، المنعقدة بتاريخ: 5 أغسطس 2023، وأصدرت ملاحظاتها الختامية حول هذا التقرير، الصادر بتاريخ: 2023.10.04، والذي يقع في 17 صفحة، والمكون من: 65 ملاحظة.

الملاحظات الختامية بشأن التقرير الأولي لموريتانيا:

وهنا سنورد، بصورة موجزة، أهم الملاحظات الختامية حول هذا التقرير والمتعلقة بدواعي القلق والتوصيات:
موائمة الدستور مع مقتضيات الاتفاقية الدولية، وإلغاء المصطلحات المهينة للمعاق، وبناء قدرات واضعي السياسات العامة من قضاة ومدرسين وأطباء، والتشاور الوثيق مع منظمات المعاقين، والإشراك الفعلي لها في تصميم وتنفيذ برامج تدريب الموظفين؛
12345
  أوصت اللجنة بتعزيز وتنفيذ آليات لإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة فعليا، من خلال المنظمات التي تمثلهم، في عمليات صنع القرار العام، وبأن تضمن إجراء مشاورات مجدية مع مختلف منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة؛
توصي اللجنة الدولة باعتماد تعريفا شاملا للتمييز على أساس الاعاقة، وأن تعتمد أحكاما قانونية للاعتراف بالحرمان من الترتيبات التيسيرية؛
تؤكد اللجنة على ضرورة الإشراك الفعلي والمؤثر للمرأة والفتاة المعاقة، وكذا على ضرورة إشراك الأطفال إشراكا حقيقيا، رغم تخصيص 6 مقاعد لهم في برلمان الأطفال، فقد تم الإبلاغ عما تعرض له الأطفال المعاقين من استغلال وعنف واعتداء؛
وفي الملاحظة رقم 64، قبل الأخيرة، وبالتحديد في الفحة الأخيرة من هذه الملاحظات،  تطالب هذه اللجنة من الدولة الموريتانية: “نشر هذه الملاحظات الختامية على نطاق واسع بما يشمل المنظمات غير الحكومية ومنظمات الأشخاص ذوي الاعاقة، والأشخاص ذوي الاعاقة أنفسهم، وأفراد أسرهم، باللغات الوطنية ولغات الأقليات، بما في ذلك لغة الإشارة، وفي أشكال يسهل الاطلاع عليها، بما فيها الصيغة السهلة القراءة، وإتاحتها في موقع الحكومة الشبكي، المتعلق بحقوق الانسان”.

كانت تلكم أهم الملاحظات الأممية على التقرير الذي قدمته الدولة الموريتانية للجنة المعنية باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة التابع للاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة (CRPD) التابع للأمم المتحدة بشأن الأشخاص المعاقين، ويمكن للجميع الاطلاع على نص التقرير باللغات العربية الفرنسية والانجليزية عبر موقع الأمم المتحدة.
أما على المستوى الوطني، فقد صدر، بتاريخ: 2006.11.23 الأمر القانوني رقم: 043، القاضي بترقية وحماية الأشخاص المعاقين، في منتصف المرحلة الانتقالية (2005ـ2007)، عن العقيد: اعل ولد محمد فال، رئيس المجلس العسكري الانتقالي للعدالة والديمقراطية، رئيس الدولة، وجاء في 6 أبواب و 7 فصول و 60 مادة، تناولت الأحكام العامة أولا، ثم بعض المواضيع الأخرى مثل الاعلام والوقاية والاستقلالية الحركية والإدماج والتعليم والتكوين المهني والتشغيل…

ونظرا للظروف الاستثنائية التي صدر فيها هذا الأمر القانوني، فقد كان بمثابة عربون صداقة من النظام الجديد إلى الهيئات الدولية، كما كان ذرا للرماد في عيون منظمات المعاقين، الذين اعتبروه فتحا مبينا وإنجازا حضاريا، والحقيقة أنه لم يكن سوى مهدئ أو منوم، لن يكون له أي انعكاس على أرض الواقع، نتيجة لاشتراط تطبيق الكثير من مواده باستصدار مراسيم ومقررات تطبيقية وصل مجموعها 16 ما بين مرسوم ومقرر واتفاق، ومنها ما سيصدر عن الوزارة الوصية ومنها ما سيصدر عن وزارات أخرى.

وما صدر، حتى اللحظة، من هذه المراسيم والمقررات، وبعد مرور عقدين من الزمن، لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وقد اعتراه الكثير من الانتقائية، وازدواجية المعايير، إذ لم يتم على أساس أو معيار موضوعي، وقد يرجع كل ذلك إلى الظروف الاستثنائية التي ولد فيها هذا القانون  المتعدد الإعاقة، ومن تلك الإعاقات:

ـ الحصول على البطاقة: يعتبر الحصول على بطاقة الشخص المعاق مفتاحا لكل الحقوق التي رتبها المشرع للمعاق، فعلى المعاق، أو ذويه في الغالب، أن يحضروا  ملفا مكونا من 5 أوراق، منها ما يصدر عن طبيب المقاطعة، حصريا، وبشكلية محددة أيضا، وإمعانا في التعقيد، يتم رفض أي فصيلة للدم غير مطبوعة، الأمر الذي يحرم غالبية المعاقين في القرى والأرياف من الحصول على هذه البطاقة، التي كان يستغرق صدورها عدة سنوات، علما أن هذه البطاقة ممركزة في العاصمة، مما غيب المعاقين أكثر في داخل البلاد.

والأهم من كل هذا، أن هذه البطاقة، التي صدر منها، حتى الآن، حوالي 16 ألفا على مدار 5 سنوات، أي بمعدل 3200 بطاقة سنويا، حيث صدرت البطاقة رقم 1 سنة 2020 باسم: موسى شريف، بعد 11 عاما من صدور المقرر رقم 2017.0641، المتضمن انشاء وتشكيلة اللجنة الخاصة بالبطاقة، وبعد 14 سنة من صدور الأمر القانوني 2006.043، ورغم الخدمات الكثيرة التي وعد بها هذا القانون من تأمين صحي، في القطاعين العمومي والخصوصي، ومن تعليم متخصص، ومن تكوين فني ومهني، ومن تشغيل، ومن تخفيض في تعرفة النقل، فإن حملة هذه البطاقة لم يستفيدوا من أي خدمة عمومية، بل إن بعض المؤسسات العمومية تحمل أصحاب هذه البطاقة من خدماتها بحجة ما تقره القوانين من حقوق للمعاق الحامل للبطاقة.

ـ الولوج والاعلام: رغم مرور أكثر من 7 سنوات على صدور المرسوم رقم 2017.0169، المتعلق بحق الولوج ووجوب تكييف المباني ووسائل النقل مع الاحتياجات الخاصة للمعاق، يبقى ولوج الأشخاص المعاقين تحديا كبيرا، سواء تعلق الأمر بالطرقات غير الممهدة أو المهيأة، أو وسائل النقل غير الملائمة، وحتى الولوج إلى المباني العمومية، ضف إلى ذلك صعوبة الحصول على الأدوات الحركية من عكاكيز وكراسي متحركة وعصي بيضاء، وأطراف اصطناعية، هذه الوضعية فرضت على المعاق أن يبقى حبيس منزله، لاستحالة حركته، رغم ترسانة القوانين التي طالبت بتسهيل ولوج المعاقين، فإن ذلك بقي ضربا من الخيال، ويكفيك أن تعرف أن مباني وزارة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة، وهي الوزارة الوصية، لم تسعى إلى تنفيذ هذا الولوج حيث توجد سلالم انزلاقية يصعب على المعاق المرور منها، أما مديرية الأشخاص المعاقين فإن مكتب مديرها يقع في الطابق العلوي، وقس على ذلك بقية الإدارات العمومية من ولاة وحكام وعمد، التي يحبذ مسؤولوها أن تكون مكاتبهم في الطابق العلوي.

أما عن الاعلام والاتصال مع الاشخاص المعاقين، فيكاد يكون معدوما، الا من ترجمة لنشرة الأخبار بلغة الإشارة، فرغم وجود قناة تابعة للوزارة الوصية، بميزانية سنوية تجاوزت 80 مليون أوقية، فإن انتاجها يظل حكرا على غير المعاقين، فحتى البرامج التي تستهدف المعاقين لا تتم ترجمتها للغة الإشارة، أما الاشارات واللوحات الخاصة بتوجيه وارشاد المعاقين وتخصيص مسارات لهم فأمر مفقود أيضا، كل هذا يجعل من الأمر القانون مجرد وثيقة جاءت لدعم مرحلة سياسية معينة، ولم تأت لحلحلة مشاكل الأشخاص المعاقين، فرغم مرور عقدين من الزن على صدورها لا شيء تغير في واقع المعاقين.

وأخيرا، وقبل أن تختم هذا المقال، نريد أن نورد هنا بعض الأمثلة الملموسة على ما تعانيه فئة الأشخاص المعاقين من مشاكل ملحة في النقاط الـ 5 التالية، راجين من الجهات المعنية حل هذه المشاكل، حتى لا نضطر إلى تقديم شكاوى إلى لجنة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة، بناء على مقتضيات البروتوكول الاختياري الموقع من طرف بلادنا.

توقيف وتغريم المتسولين المعاقين: في إطار حملة شنتها إدارة الأمن الوطني، ابتداء من مساء الأربعاء 19 مارس، لتوقيف المتسولين، خاصة على مستوى انواكشوط الغربي، تم توقيف العديد من المعاقين حركيا، ومن الصم والمكفوفين من الرجال والنساء، وفي ظروف يرثى لها (علما أن القانون لا يعاقب المعاق المتسول، إلا بشروط)، قبل أن يتم أطلاق سراهم بعد دفع غرامة 6000 أوقية قديمة، (انظر المخالصات المرفقة)، علما أن وصاية المعاقين من اختصاص وزارة العمل الاجتماعي لا وزارة الداخلية؛
غياب التأمين الصحي: من أصل نصف مليون معاق، تم تأمين أقل من 5 آلاف معاق، على مدار 5 سنوات الماضية، فماذا يمثل هذا الرقم من نصف مليون؟
النقص الحاد في معدات المعاقين: يحتاج الشخص المعاق إلى العديد من الأدوات والوسائل المساعدة، حسب نوعية إعاقته، مثل: العكازات، الكراسي المتحركة، الأطراف الاصطناعية، بالنسبة للمعاقين حركيا، والعصي البيضاء، والتطبيقات الصوتية، والمراجع البيداغوجية المكتوبة بلغة “برايل”، بالنسبة للمكفوفين، زرع القوقعة، وقطع الغيار والتدريب والتأهيل بعد الزرع، بالنسبة للصم، الكراسي الخاصة والمصنوعة محليا، بالنسبة لمتعددي الاعاقة. هذه الأدوات والوسائل لا يتوفر لدى مديرية الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا بعضها فقط، وبأعداد قليلة جدة وفي فترة محدودة أيضا، رغم ميزانية هذه المديرية والتي تتجاوز 470 مليون أوقية، رغم أنها لا تمتلك مقرا خاصا بها.
غياب الرعاية الاجتماعية لصالح الفئات الهشة: رغم الملفات الكثيرة التي يدفعها المعاقون سنويا، بناء على توجيهات رسمية من الوزارة، للحصول على مساعدات اجتماعية، فإن هذه الوزارة تضرب عرض الحائط بهذه الطلبات، رغم وجود ميزانية هي الأكبر من بين ميزانيات الادارات المركزية، خاصة بإدارة العمل الاجتماعي والتضامن الوطني، والتي تناهز مليار ونصف، حيث يتم حرمان المعاقين منها من أصحاب الأمراض المزمنة بمجرد حصولهم على التأمين الصحي أو أي مساعدة من وكالة التآزر.
لعنة إقصاء المعاقين: نظرا لتغييب الأشخاص المعاقين في جميع البرامج والاستراتيجيات التي تهدف إلى ترقيتهم، واعتبارهم مجرد فئة فرض العالم لها حقوقا، ويمكن الالتفاف عليها، عبر اختلاق تقارير باسم منظمات لا وجود لها الا على الرأسيات، أو في الورشات والقاعات المكيفة، وإقصاء أي صوت جدي يسعى إلى تحقيق الترقية والرفاه للمعاق، ولهذا فقد ركزت اللجنة المعنية باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة، على الإشراك الفعلي والحقيقي للقاعدة العريضة للمعاقين، وعلى المنظمات التي تمثلهم، واشراكهم في إعداد وتحرير التقارير التي تشارك بها الدولة في المحافل الدولية، بدلا من تدبيجها في الغرف المظلمة.
محمد عبد القادر
وكيل طفل معاق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى