مقالات وآراء

محمد يحيى القصري يكتب عن القبيلة والدولة : من رسائل السويداء

من السويداء إلى تمبكتو مرورا بليبيا وسيناء واليمن والعراق، اتضح أن القبيلة اكثر رسوخا وأعظم ذمة من الدولة الوطنية لذلك سعت فرنسا لتفكيك وانهاك القبائل الكبرى ذات الشوكة في أرض البيظان، وليعلم أبناء القبائل ان التعويل بعد الله على الرحم والأواصر التي جعلها الله وأمر برعايتها أولى وتعزيزها وتغذيتها بالمعروف هو الضامن الوحيد للقوة والبقاء والاستقرار، وعلى الدولة الموريتاتية ان تأخذ العبرة مما جرى في السويداء ويجري في أزواد ومنذ أعوام يسير في ليبيا واليمن وسوريا والعراق وبلاد الأفغان، وإنه لا يمكن لدولة ان تقوم إلا على قومية وفكرة، فالإسلام وهو اعظم دولة في التاريخ تأسس على العرب وبهم يقوم وبهم ينتصر، فكيف بدولة بإرادة بشرية وقوانين وضعية فإنها أشد حاجة وأكبر ضرورة للاستفادة من الجهد الاجتماعي والقبلي لتعزيز امنها ووحدتها واستقرارها وضمان تطورها وحماية حوزتها وحفظ أرواح أبنائها وصيانة مواردها…
إنه لا تناقض بين الدولة والقبيلة فكلاهما قالب وإطار جماعي له حقوق وعليه واجبات، فالدولة الكيان العام الشامل لكل القوالب القبلية ومن أجل نهضة الدولة يجب ان تسمح لكل مكوناتها بالنهوض وتفتح الفرص امام الجميع إن لم يكن بالتساوي بشيء من الإنصاف ولو قليل،
فلا يعقل ان تظل كبريات القبائل وذوات الأصل الضارب في العراقة والنبل من العائلات تعاني ولا يجد ذووها وابناؤها حظا في وطنهم بسبب نبلهم ولأن الفرص حكر على من تخلى عن قيمه أو من له نفوذ واسع في الدولة موروث من المحتل الفرنسي أو من ورثة المحتل، إن هذا الحال يضر بهيبة الدولة في نفس المواطن، ويؤسس لانتشار الفساد ويمهد لهيمنة وتغول الغرباء الذين لا تربطهم بالوطن غير مصالحهم الشخصية المبنية على الانتهازية الفجة ..
بل الصواب ان توازن السلطات بين متطلبات المواطنة الحديثة وبين حماية الأصل ورعاية النبل وترسيخ قيم الوطنية كجزء من الأصالة والمنظومة القيمية التي يتحلى بها سكان الأرض الأصليين (العرب الأقحاح في غالبيتهم) المسلمين جميعهم،
وعلى قادة ومسؤولي الجمهورية الإسلامية الموريتانية أن يعوا جيدا ان تاريخا يتجاوز ألف سنة لا يمكن ان تمسحه مائة عام بين الاحتلال والدولة الحديثة التي انشأتها فرنسا ورعتها في بعض مراحلها وصنعت حدودها وساهمت في أول دساتيرها، إن القبيلة أطول عمرا من الدولة إذا كانت دولة الاسلام قبل ألف وأربعمائة سنة لم تستطع إنهاء القبيلة فهل تنهيها دول قطرية كان للقبيلة الأثر الأكبر في تأسيسها وحمايتها وتسييرها ؟!
لكن نؤكد أنه لا تعارض بين الإثنين إلا أنه يلزم السلطات التصرف بذكاء وحكمة وفتح الأبواب لأبناء جميع القبائل للولوج الآمن والسلس للفرص بشيء من التكافؤ وإلا فإن مغبة الظلم والغبن عواقبها وخيمة على البلاد والعباد…
نسأل الله أن يصلي على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وأن يحفظنا ويحفظ أهلنا وبلادنا والمسلمين أجمعين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى