مقالات وآراء

عندما يتحوّل الفساد من عدوٍ للدولة إلى دولة موازية

محمد محمود سيدى بويا – رئيس المرصد الموريتاني للعدالة والمساواة

محمد محمود سيدى بوى محمد محمود سيدى بوى
أحيانًا، لا تحتاج الأمور إلى كثير من التأويل. فالصورة في هذا البلد باتت واضحة بشكل مخيف: من يسرق يُكافأ، ومن يكتب يُطارد.
من ينهب مقدرات الناس يجد لنفسه وظيفة ومكانة، ومن يصرخ في وجه الظلم يُمنع حتى من دخول الإدارة.
هنا فقط، تصبح الحرب على الفساد مناسبة لإعلان الحرب على من يرفضونه.
لقد أصبح الفساد في هذه البلاد أكبر من ملف إداري مغلق، أو صفقة مشبوهة.
بل صار بنيةً قائمة، بحماة ومواقع، وله أدواته ومن يدافع عنه برباطة جأش كأنهم على حق.
وهذا لا يخص طرفًا سياسيًا دون آخر.
المسألة اليوم تتعلّق بمنطق خطير: إعادة تشكيل الدولة بما يخدم القلة، لا المجموع.
المفارقة أن الحرب على الفساد أُعلنت من أعلى هرم في السلطة، وتكررت على لسان الوزير الأول، وتحوّلت إلى شعار في البرامج الرسمية…
لكن ما إن بدأت الأصوات الحرة تُمسك بالخيط وتطالب بالمحاسبة، حتى تغير اتجاه البوصلة:
أصبح المشكل ليس في من يختلس، بل في من يتكلم.
أصبح الخطر ليس في من يعقد الصفقات المشبوهة، بل في من يسأل عنها.
المدونون، الصحفيون، المثقفون، والفاعلون في المجتمع المدني… لا يملكون سلطة ولا مالًا، ولكنهم يمتلكون شيئًا أزعج المنظومة: القدرة على تسمية الأشياء بأسمائها.
هذا وحده، في هذه المرحلة، كافٍ ليتم تصنيفهم كـ”خصوم”.
لكن من الخطر أن تنسى الدولة من هم حلفاؤها الحقيقيون.
وإذا كان هناك من يجب أن يعتمد عليهم الرئيس في معركته ضد الفساد، فهم هؤلاء الذين لم يتلوثوا، الذين لا يخافون من رفع الصوت، ولا يمدّون أيديهم إلا إلى الحقيقة.
ففي بلدٍ مثل هذه البلاد ، لا يمكن تجاهل أن الفساد يقف حجر عثرة أمام كل مشروع وطني جاد:
فهو السبب الرئيسي في تعثر التنمية، وفي استشراء الفقر، وفي خنق الفرص أمام الشباب، وفي تقهقر التعليم والصحة والخدمات.
إذن، فالمعركة حقيقية، والخيار واضح:
إما أن تُمضي الدولة في تطهير بنيتها من عبء الفساد،
وإما أن تكتفي بشن الحروب على كل من لا يصفّق.
وليعلم الجميع أنّ لسلطة لا تدوم، والمال لا يُخلّد،
لكن الموقف… الموقف وحده هو الذي يبقى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى