ولد سيد يحي يكتب: “من قال هلك الناس…”

محمد محمود ولد سيد يحي
شهدت الأسابيع الأخيرة لغطا كبيرا حول انقطاع المياه في العاصمة نواكشوط، وقال قوم إن الأداء الحكومي في مواجهة هذه الأزمة الدورية وغيرها من الأزمات يشبه الأخطاء المتكررة شبه الماء بالماء…
ولو أن أصحاب هذه المقالة نظروا في توسع خدمة الماء الشروب حتى وصلت الى أحياء لم تبتل أنابيبها بالماء منذ سنوات في “ملح” و”عرفات” و”ماوراء مدريد” خلال الأشهرالقليلة الماضية لخرجوا من المنطق الطفولي الذي يقول “آباؤكم قادرون”، ولو أنهم قدروا الأنابيب الكبيرة التي تسارع السير قادمة إلى العاصمة من “بحيرة اديني”، والتجهيزات المعقدة التي وضعت على النهر لتصفية الطمي لأول مرة في مشروع “آفطوط الساحلي”… لعلموا أن هذه الحكومة تعمل على الحلول البنيوية لمشكل الماء في مدينة تنمو بشكل فلكي، تماما كما تم العمل على سقاية أحياء واسعة في “نواذيبو” عبر توسيع بحيرة “بولنوار” مؤخرا، وعشرات القرى في “آفطوط الشرقي” من “فم لكليته”، ويجري العمل بشكل ميداني على وضع اللمسات الفعلية على مد أنابيب سقاية مدينة كيفة من نهر السنغال الذي ظل حلما طال انتظاره..
ان نظرة إنصاف لوتيرة العمل الحكومي في السنة الأولى من المأمورية الثانية لفخامة رئيس الجمهورية تؤكد أننا أمام مأمورية إعمار وإنجاز، بعد أن كانت المأمورية الأولى مأمورية تحصين وتآزر في مواجهة أزمات عالمية طبعها الوباء والغلاء والقلاقل السياسية والأمنية الإقليمية..
لا يجادل إلا مكابر في أن مدينة نواكشوط شهدت خلال الأشهر الماضية إنجازات ملموسة في مجال الجسور والطرق المعبدة، وأنها استطاعت أن تتنفس الصعداء من الاختناقات المرورية المزمنة، كما تشهد الأرقام الكبيرة حول عدد المدرسين الذين يتم اكتتابهم في أسلاك التعليم المختلفة، ومئات الفصول الدراسية التي يتم تشييدها هنا وهناك على أن مشروع المدرسة الجمهورية، وهو لعمري مشروع القرن بالنسبة لهذه البلاد، أنه في صميم الطموحات الكبرى التي رسمها فخامة رئيس الجمهورية والتي تسعى الحكومة جاهدة في كسب رهانها الكبير..
لن أكرر الحديث عن تقريب الخدمات الصحية من آلاف الأسر الفقيرة عبر التأمين الصحي، ولكن تعميم هذا التأمين لأول مرة ليشمل زهرة شباب الوطن من آلاف طلاب التعليم العالي، وجعله برورا للوالدين بإلحاقهما بعد طول عقوق.. خطوات نوعية، لا يضاهيها إلا السعي الحثيث للسيطرة على تجارة الأدوية التي تبدو معركة شرسة لابد من حسمها مهما كلفت من تضحيات..
لقد مكن الأداء الرائع لكوكبة من المهندسين والمهندسات الموريتانيين والموريتانيات من مواكبة ذكية لعصر الرقمنة؛ حتى أصبحت التطبيقات الموريتانية مثالا يحتذى في العالم، فهذه “عين” المواطن الساهرة التي تراقب الأداء الحكومي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة، وتلك “هويتي” و”عقودي” … وغيرها من التطبيقات التي تضمن وصول العامة إلى حقوقهم دون كبير عناء..
لن أعيد الحديث عن المؤشرات الاقتصادية، ولا البرامج التي تعد بمصانع تعليب الأسماك، ومشاريع الطاقة الضخمة، ولا تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز والخضروات، ولا حتى الحديث عن مصانع الصلب والهيدروجين الأخضر وصناعة السكر، ولا الإنجازات في ميادين الحوار والثقافة والإعلام…فما تحقق كبير بمقياس التحديات، وغيض من فيض لو قيس بطموحات رئيس الجمهورية لوطن يريد أن يكسب العولمة كما كسب الأجداد رهان العلم على ظهور العيس…
ان مشروع عصرنة نواكشوط الذي لا تخطئ العين ورشاته في كل زاوية، والتشاور الكبير الذي شمل المواطنين لاشراك الجميع في تعميم الخدمات الأساسية في عموم ولايات الوطن.. دليل على أن عجلة التنمية بدأت تدور رغم ضجيج المرجفين..
حاشى فخامة رئيس الجمهورية أن يضيق ذرعا بالنقد البناء وهو أول من يتجرأ على قوله على الملأ وأمام الجميع، وكيف يضيق بالرأي أول رئيس في تاريخ هذه البلاد وسع المعارضة التاريخية أعلامها وأقلامها بحكمته و حنكته حتى غدت ردءا يصدقه ويشد أزر الوطن في ظل موجات الفتن والقلاقل الأمنية والسياسية التي تعصف بالنخب السياسية في المنطقة..
نعم ثمت فرق كبير بين من يحبون الناصحين، وبين الذي ديدنهم أن يشيعوا منكرا من القول وزورا، وهل يكب الأوطان في جحيم الفتن إلا حصائد ألسنة السوء وإشاعة الفاحشة بين الذين آمنوا؟!
لقد قال رئيس الجمهورية بصريح العبارة ان هذا البلد فقيرويحتاج مشاركة الجميع لتحقيق تحول مجتمعي عميق، والمؤشرات الإحصائية الرسمية تقول إن ثلث الموريتانيين ما زال مكبلا بالفقر والأمية، ولكن الطريق الوحيد للعبور الآمن بالوطن، هو تغليب خطاب التنمية على مهاترات السياسة، وإقامة مشاريع هيكلية تحول هذا الشعب من أمة مستهلكة الى بشر مسلحين بالمعرفة قادرين على الإنتاج..
أن توقد شمعة خير من أن تلعن الظلام، وطريق الألف ميل تبدأ بخطوة..
ولا أكون مبالغا إذا قلت إننا قطعنا خطوات مهمة تحتاج النقد البناء بدلا من النقض الهدام، والتشجيع والترشيد بدلا من التحقير والتتفيه..
ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم..