هذا الصمت ليس سياسة … إنه إقرار بالفشل

بقلم: محمد المختار سيدي هيبة
بمناسبة زيارة الرئيس إلى مدينة نواذيبو، لم يعُد مجدياً رفع اللافتات. آن الأوان للكلام الصريح. فالمناطق لم تَعُد تُصفّق: إنها تراقب، تنتظر، تلوذ بالصمت، لكنها لن تلبث أن تحتج وتثور.
نواذيبو، المدينة الساحلية ذات الإمكانات الهائلة، تحوّلت إلى عقدة خانقة: لا تخطيط عمرانياً يُعتدّ به، سواحل مباحة للمضاربات، خدمات عامة في حالة احتضار، شباب تائه، ومدارس مهجورة. ومع ذلك، من مياهها تُستخرج الثروة السمكية، ومن أرصفتها يُنقل معدن الحديد. لكن، ماذا يعود إليها في المقابل؟
في باقي المناطق، المشهد لا يختلف: إنشيري تُستنزف ثرواتها دون مقابل، والوادي يتحمّل عبء استخراج الغاز دون أن يرى نتائجه، والمناطق الداخلية تُكابد للوصول إلى أبسط الخدمات. الدولة تُدار من المركز، لكنها تتفكّك من الأطراف.
ليست المشكلة في الإدارة فحسب، بل في الرؤية، والكفاءة، والشرعية.
ينبغي الذهاب إلى ما هو أعمق. يجب أن نعوّل على ما يجب أن يسمو في كل رئيس على غريزة البقاء: وعي الواقع. لأن البنية الاجتماعية لم تعد صامدة.
الفقر يُشوّه مدننا. هجرة الشباب تتسارع. الطرق أصبحت مصدر خطر دائم. الحوادث المميتة تتكرّر دون أن تُقابل بردّ. ثقافة الإفلات من العقاب تنتشر. المياه والكهرباء تنقطع. والدولة، إزاء ذلك، تبقى مشلولة، وكأن العجز صار عادة مألوفة.
هذا الصمت ليس سياسة. إنه إقرار بالفشل.
لقد حان الوقت لإنهاء مركزية تُراكم السلطة والثروة والامتيازات. آن أوان فتح صفحة جديدة: دولة عادلة، تقوم على مبدأ الإنصاف المجالي. نسبة واضحة ومضمونة من عائدات الثروات الطبيعية يجب أن تُعاد، بحق، إلى المناطق التي تنتجها وتُصدّرها.
ويقتضي ذلك أيضاً تمكين البلديات، والمجالس المحلية، والجهوية من صلاحيات فعلية، واختصاصات محددة، وقبل كل شيء من وسائل حقيقية لأداء مهامها. لا معنى للامركزية بلا موارد ولا تنفيذ. لا يجوز للدولة أن تفوّض دون دعم، أو أن تُحمّل دون أن تُجهّز.
هذا ليس مِنّة ولا تنازلاً، بل هو مطلب جوهري للعدالة الوطنية. فالجمهورية التي تستغل دون أن تُعيد التوزيع، لا تبني وحدة، بل تزرع الانقسام.
عملياً:
• يجب أن يُعاد جزء من عائدات تصدير السمك والحديد إلى نواذيبو وازويرات — على شكل استثمارات وتجهيزات وتمويلات محلية.
• يجب أن تُستخدم ثروات أكجوجت المنجمية لبناء بنى تحتية دائمة في إنشيري — من طرق ومدارس ومراكز صحية.
• ينبغي أن تساهم عائدات الغاز في تنمية البلديات المجاورة — في البنى التحتية، والتكوين المهني، والمشاريع التنموية.
هذا ليس ترفاً، بل واجب جمهوري. الدولة لا تُبنى بالتمنيات، بل بالآليات الواضحة، وبعقد وطني جديد يربط بين الأمة وأقاليمها.
لأن الإعراض عن رؤية الانقسامات لا يُلغيها، بل يُفاقمها. ويوم تُطالب الأصوات بالإنصاف، قد تطالب بالحكم الذاتي، ثم بالانفصال. ويومها، سيكون الحديث عن الحوار متأخراً.
لا أحد هنا يدعو إلى الانفصال. لكن كثيرين فقدوا الثقة في موريتانيا كما هي. وإذا ترسخ هذا الإحباط، فسيكون أخطر من أي معارضة منظمة.
واجب النخب اليوم ليس التمترس في السلطة، بل التنبيه إلى الخطر. أن تقول لأصحاب القرار إن الاستقرار لا يقوم على الجمود، وإن السلم الاجتماعي لا يُشترى — بل يُبنى، ويُكرَّم، ويُغذَّى بالعدل.
لا يزال هناك وقت للفعل. لكن التاريخ لا ينتظر. لا يُساير المترددين. إنه يحكم. وأحياناً، يزيح رجال الدولة كما تُزاح القمامة.