كيف يُدفع الموظف إلى السرقة في موريتانيا ؟

الدكتور: محمد محفوظ محفوظ
مفتش شغل من ذوي الاحتياجات الخاصة: كفيف
واتساب: 27733523
كم أوقية تكفيك لتعيش 100 سنة في موريتانيا ؟ وتحديدا اذا كنت من ذوي الاحتياجات الخاصة ؟ لو كان الإنسان يعيش على الطاقة النووية، لاحتاج فقط إلى غرام واحد من المادة النقية ليعيش مئة سنة.
فمعادلة أينشتاين الشهيرة: E = mc² تُخبرنا أن الطاقة ()، E) تساوي الكتلة (m) مضروبة في مربع سرعة الضوء cأي أن كل ذرة تحمل في داخلها (طاقة هائلة، لو استُخرجت بالكامل). لكننا لا نعيش على الطاقة النووية، بل على الطاقة الكيميائية، التي تُنتجها أجسامنا من الغذاء عبر تفاعلات الميتوكندريا.
ولكي يحصل الإنسان على 91 مليون سعرة حرارية طيلة حياته، يحتاج إلى ما يعادل 22.5 طنًا من الغذاء (الصافي)، موزعة بين السكريات، الدهون، البروتينات، والماء، بينما الطاقة النووية تُنتج نفس الكمية من الطاقة من (غرام واحد فقط) من المادة النقية. أي أن الفرق بين الطاقة النووية والطاقة الكيميائية في الكفاءة هو فرق بين (غرام واحد) و 22.500.000 غرامًا. نحن نعيش على نار هادئة، لا على انفجار نجمي، ولهذا، نحتاج إلى الغذاء، لا إلى اليورانيوم.
الغذاء:
– الحليب: حوالي عشرة آلاف لتر على مدى الحياة، مثلا: حليب الخريف، أو حليب البادية، أو حليب Rose الوردة، يُباع نصف لتر منه بـ 300 أوقية، أي أن اللتر بـ 600 أوقية؛ إذًا التكلفة الإجمالية للحليب تقارب 6 ملايين أوقية قديمة.
– الخبز والمعجنات:
عشرة أطنان من الخبز، بسعر 1000أوقية للكيلوغرام = 10ملايين أوقية قديمة؛
خمسة أطنان من المعكرونة بسعر 600 أوقية للكيلوغرام = 3 ملايين أوقية قديمة؛
خمسة أطنان من أرز بسمتي بسعر ملايين 600 أوقية للكيلوغرام = 3 ملايين أوقية قديمة؛
ثلاثة أطنان من الكسكس الخالص بسعر 800 أوقية للكيلوغرام = 2.4 مليون أوقية قديمة؛
– اللحوم:
خمسة أطنان من لحم البقر بسعر 3000 أوقية للكيلوغرام = 15 مليون أوقية قديمة؛
ثلاثة أطنان من الدجاج بسعر 1200أوقية للكيلوغرام = 3.6 مليون أوقية قديمة؛
اثنان طن من الكبد بسعر 4000 أوقية للكيلوغرام = 8 ملايين أوقية قديمة؛
كيلوغرامات من السمك بسعر متوسط 1500أوقية = **3 ملايين أوقية قديمة تقريبًا.
–الخضروات والفواكه: خمسة عشر طنًا، بسعر400 أوقية للكيلوغرام = 6 ملايين أوقية قديمة؛
ـ السكر والزيوت:
خمسة أطنان من السكر بسعر 400 أوقية للكيلوغرام = 2 مليون أوقية قديمة؛
خمسة أطنان من الزيت بسعر 1200 أوقية للتر = 6 ملايين أوقية قديمة؛
المجموع الغذائي: حوالي: 70 مليون أوقية قديمة.
الدراسة
لا يبدأ الإنسان تسلّم راتبه إلا بعد سن الـ 25، أي بعد أن يُنفق على تعليمه الأساسي والعالي.
إذا افترضنا تكلفة سنوية قدرها 400 ألف أوقية (ما يعادل 1000 دولار سنويا)، فإن تكلفة الدراسة على مدى 20 سنة تبلغ: 400,000 × 20 = 8 ملايين أوقية قديمة
ـ السكن:
منزل متواضع في أحد أحياء نواكشوط لا يقل سعره عن 10 ملايين أوقية قديمة.
ـ النقل:
التنقل اليومي بتكلفة 500 أوقية، على مدى 100سنة: 500 × 365 × 100 = 18.25 مليون أوقية قديمة.
ـ الماء:
برميل ماء بسعر 500 أوقية، بمعدل برميلين أسبوعيًا لمن لا يملك شبكة، أي 104 برميلًا سنويًا: 500 × 104 × 100 = 5.2مليون أوقية قديمة.
ـ الإنترنت:
واي في شهري بسعر 15,000 أوقية × 12 شهرًا × 100سنة = 18 مليون أوقية قديمة.
ـ العلاج والتأمين الصحي:
زيارات، أدوية، طوارئ، تحاليل، على مدى الحياة: 15 مليون أوقية قديمة.
ـ الراحة والعطل:
عطلة سنوية لموظف عادي لا تقل عن 500,000 أوقية، خاصة مع ارتفاع الإيجارات (للشقة المتواضعة 50,000 أوقية شهريًا: 500,000 × 100 = 50 مليون أوقية قديمة.
ـ المصاريف الأخرى:
ملابس، كهرباء، اتصالات إضافية، تعليم إضافي، مناسبات، كتب، قهوة، هدايا، ضرائب، وحتى لحظات الصمت: تُقدّر بـ 20 مليون أوقية أو أكثر.
ـ الالتزامات الاجتماعية:
الإنسان في موريتانيا لا يعيش لنفسه فقط، بل يُنفق ربع دخله على أسرته الكبيرة: والديه، إخوته، واجباته الاجتماعية. فإذا احتسبنا ذلك على مدى الحياة، فإن مجموع هذه الالتزامات يصل إلى 60 مليون أوقية قديمة على الأقل.
ـ المجموع الكلي: حوالي 274 مليون أوقية قديمة
ومع التضخم الطبيعي على مدى قرن، قد تصل تكلفة الحياة إلى 350 مليون أوقية قديمة أو أكثر.
ـ مقارنة بالراتب:
إذا كان متوسط الراتب الجيد في موريتانيا هو 500 دولار شهريًا، أي ما يعادل 200 ألف أوقية قديمة،
فالدخل السنوي هو2.4 مليون أوقية، لكن الإنسان لا يبدأ العمل إلا بعد سن 25، أي أن دخله الفعلي يمتد لـ40 سنة فقط (من 25 إلى 65) ثم ينخفض إلى الربع بعد التقاعد، ويكاد ينعدم بعد التسعين. وباحتساب ذلك، فإن الدخل الإجمالي على مدى الحياة لا يتجاوز 160مليون أوقية قديمة، في أحسن الظروف.
النتيجة:
الإنسان يحتاج ليعيش حياة متواضعة في موريتانيا إلى 274 مليون أوقية قديمة، بينما دخله لا يتجاوز 160مليون أوقية، أي أن هناك عجزًا واضحًا، لا يُسدّ إلا بالدعم العائلي، أو المساعدات، أو التضحية بالراحة، أو الاقتراض، أو التحايل، أو الهجرة، أو الحظ.
لكن تأمل الآن:
هذا المبلغ، الذي يُكافح الإنسان لتوفيره طيلة حياته، يُصرفه بعض المشاهير في ليلة واحدة، على عشاء فاخر أو حفل زفاف لا يُنسى. 350 مليون أوقية قديمة، أي ما يعادل 875 ألف دولار، تُصرف في ساعات، بينما آخرون يعيشون بها قرنًا من الزمن.
كم هو الفرق بين الناس؟ كم كانت الحياة لتكون أكثر عدلًا لو أن المال قُسِّم بالتساوي؟ لكن تلك هي سنة الحياة، أو هو قانونها غير المكتوب: حكم القوي على الضعيف، وتفاوت الأقدار بين من يملك ومن لا يملك.
والآن، تصور أن الموظف من ذوي الاحتياجات الخاصة: غيره قد يسُدّ الفرق بسيارة أجرة، أو عمل تجاري جانبي، أو نشاط حر، أما هو، فكفاءته معطّلة، وحركته محدودة، ومهاراته لا تُستثمر كما ينبغي، فمن أين يأتي بما يسدّ العجز؟ من أين يأتي بما يُعوّض به الفرق؟ هنا لا يكون السؤال عن النزاهة، بل عن القدرة على النجاة.
منشور للتأمل، لا للمقارنة.
منشور عن الإنسان، لا عن الأسعار.
منشور عن الأوقية التي تُبنى منها الحياة، لا عن الأرقام التي تُحصى بها.
انواكشوط، بتاريخ: 9 سبتمبر 2025