قراءة في خطة ترامب لغزة: تدويل وغياب سيادة فلسطينية وتسويف لحل نهائي

الكاتب: محمود عبد الحكيم
بعد لقاء الرئيس الأميركي ورئيس حكومة الاحتلال في البيت الأبيض، قدّم المؤتمر الصحافي اللاحق للمباحثات بينهما “خطة ترامب الشاملة لإنهاء النزاع في غزة”. طرحت الخطة تصوّراً يعكس مصالح “إسرائيل”، و”يسمح” للشعب الفلسطيني بإعادة الإعمار. لكن إعادة الإعمار تكون مقابل إقامة وصاية إسرائيلية بغطاء دولي على القطاع، مع منح “جيش” الاحتلال أولويته المطلقة: الحق في المراقبة والعمل العسكري.
لا يمكن فهم الخطة، ذات البنود الـ20، بمعزل عن السياق الاستراتيجي الحالي، وفي قلبه غياب فرض حل عربي، مثل الخطة المصرية لإعادة الإعمار والخطة العربية الإسلامية لإعمار غزة. ويمكن تقسيم بنود خطة ترامب من حيث المدلول السياسي العملي إلى قسمين مترابطين، تغفل محصّلتهما إعطاء مكاسب للفلسطينيين، كما تغفل قضاياهم الكبرى الأساسية، ومطالبهم ذات الإجماع الفلسطيني.
بنود التدويل وغياب السيادة
وفقاً للبنود 15، 16 و17، تعمل الولايات المتحدة مع “شركاء عرب ودوليين على تشكيل قوة استقرار دولية مؤقتة (ISF) لنشرها في غزة، وتتولى تدريب ودعم قوات شرطة فلسطينية غير ذات ارتباط بالمقاومة”، بالتشاور مع مصر والأردن نظراً لـ”خبرتهما الواسعة في هذا المجال”. ومع التأكيد على عدم إعادة احتلال القطاع إسرائيلياً، تمنح الخطة القوة المذكورة مهمة “فرض السيطرة والاستقرار”، وعليها استلام أراضي القطاع التي يحتلها “جيش” الاحتلال تدريجياً.
من ناحية أخرى، يطرح البند 13، بصيغة المبني للمجهول، أن “تُدمَّر كل البُنى التحتية العسكرية، شاملةً الأنفاق ومنشآت التصنيع… ونزع سلاح غزة تحت إشراف مراقبين مستقلين، وضمان تحييد السلاح بإجراء عملية تفكيك متفق عليها (للقدرات العسكرية)، تدعمها برامج تمويل دولية لشراء الأسلحة… على أن يتولى المراقبون المستقلون مسؤولية جميع تلك الخطوات”. ويشترط البند انسحاب حماس من أي دور في إدارة غزة بأي شكل، و”التزام غزة الجديدة ببناء اقتصاد جديد وبالتعايش السلمي مع الجيران”.
ومع إغفال الخطة تفاصيل ومحددات تشكيل وصلاحيات “قوة الاستقرار المؤقتة”، و”المراقبين المستقلين”، يطرح البند 9 أن تدير غزة “لجنةُ تكنوقراط فلسطينية” للحكم المحلي والخدمات، تضم خبراء دوليين، تحت إشراف ورقابة “هيئة انتقالية دولية” يرأسها ترامب نفسه. كذلك، لم تضمن الخطة وقفاً نهائياً للحرب، لكن البند 3 نصّ على “تعليق جميع العمليات العسكرية” عند موافقة الطرفين، أي الاحتلال والمقاومة، ومنحت – ضمنياً – مهلة 72 ساعةً للأخيرة.
أحد مكامن الخطورة الاستراتيجية والأمنية يتمثّل في أن البند 14 يحمّل “الشركاء الإقليميين” مسؤولية التأكد من التزام حماس بالخطة، والأبعد من ذلك سياسياً: “ألّا تشكل غزة الجديدة تهديداً لجيرانها وشعبها”. هذا يعني أن على القوى العربية والإقليمية الضامنة، أي مصر والأردن وقطر بشكل أساسي، وتركيا والسعودية والإمارات، مسؤولية تطبيق الخطة، وربما الضغط على المقاومة للموافقة أو الالتزام، من دون أن تتمتع بصلاحيات عملية أو في صنع القرار الأعلى، إذ يعود الأخير إلى الهيئة الانتقالية، كما يعود تنفيذه إلى قوتها المسلحة على الأرض؛ “قوة الاستقرار المؤقتة”. أما الفلسطينيون فيتولون المهمات اليومية وحسب، من دون أي دور سياسي حقيقي.
بنود تسويف الحل النهائي
في ظل الغموض الذي يلفّ لجنة التكنوقراط، “غير المسيّسة” وفقاً لنص الخطة، يطرح البندان 7 و8 صيغةً غامضةً وغير مستدامة (على الرغم من تكرار معنى الحوكمة في النص) لوضع البنية التحتية الأساسية، والتجارة والإعاشة في القطاع المحاصَر، الذي ستحيطه من الشمال والشرق والجنوب منطقة عسكرية عازلة تحت احتلال إسرائيلي، من دون ضمانات حقيقية أو أممية تمنع تجويع غزة مستقبلاً. ويبدو تناول الخطة لمقوّمات الحياة في القطاع لحظياً، مرتبطاً بإنجاز اتفاق سريع ذي إجراءات عاجلة، ولا يؤسس لاستقرار معيشي مضمون للناس على المدى الطويل.
غير الهلال الأحمر والأمم المتحدة، التي يبدو حضورها في الخطة رمزياً، يضع البند 8 مسؤولية إدخال وتوزيع المساعدات على عاتق “مؤسسات دولية أخرى غير مرتبطة إطلاقاً بأي من الطرفين”، من دون تحديد ماهية تلك المؤسسات والجهة التي ستكلفها بمهامها، أو صلاحياتها في القطاع وطبيعة علاقتها بالهيئة الدولية التي سيترأسها ترامب. وأغفل البند 7 الجهة التي ستتولى “إعادة تأهيل البنية التحتية (المياه، الكهرباء، الصرف الصحي)، والمستشفيات والمخابز، وإدخال معدات إزالة الركام وفتح الطرق”، ما يبدو عرضاً ضمنياً على مصر، التي يقتصر دورها المذكور في الخطة على تدريب القوة الأمنية الفلسطينية الجديدة، و”ضمان” التزام حماس، لكن من دون ضمانة ألا يُعاد استهداف البنايات والبنية التحتية في غزة.
من جهة أخرى، يصف البند 15 “قوة الاستقرار الدولية” بأنها “حل طويل الأمد للأمن الداخلي”، على الرغم من تسميتها بالمؤقتة، وسط غياب أفق زمني واضح لإتمام تشكيل الشرطة المحلية الفلسطينية، المشروطة بغياب أي تمثيل سياسي فلسطيني فيها. إضافةً إلى ذلك، تربط الخطة انطلاق “المسار نحو تقرير المصير” بفكرة غامضة أخرى في البند 19، هي “تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الوطنية الفلسطينية بالكامل”. وحتى في حال التنفيذ، تقول الخطة إن ذلك “قد” يوفر شروط انطلاق هذا المسار، وتصف تقرير المصير وإقامة الدولة بـ”الطموح”.
المصدر: الميادين نت