غزواني من وادان: بلدنا رهين في بقائه وفي تقدمه وازدهاره بقدرتنا على تعزيز رباط المواطنة وحمايته

قال الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، إنه لم يدخر جهدا، منذ توليه الحكم، في سبيل تعزيز رباط المواطنة ليكون الأساس الحصري لعلاقة الدولة بالمواطنين ودعامة الانسجام الاجتماعي والوحدة الوطنية، لقناعته الراسخة بأن البلد رهين، في بقائه وفي تقدمه وازدهاره، بقدرتنا على تعزيز رباط المواطنة وحمايته في وجه التأثيرات السلبية لمختلف الروابط الأخرى.
وأضاف غزواني، خلال إشرافه على إطلاق النسخة الرابعة عشرة من مهرجان مدن التراث، يوم الجمعة في وادان، أن هذه المدينة سطرت، كغيرها من مدننا التراثية، فصولا مضيئة من تاريخ أمتنا، مؤكدا أن هذا المهرجان يشكل أحد شواهد الحرص على صون هذا الموروث الثمين، بترقية تراثنا الوطني، والتأسيس لتنمية محلية تثبت الساكنة في مواطنها، وتحفز الصناعات الثقافية والتراثية، وتسهم في تطوير هذه المدائن بنحو منسجم مع خصوصياتها التراثية.وأضاف الرئيس في خطابه:
في افتتاح النسخة العاشرة من هذا المهرجان، ناديت، هنا، من مدينتكم هذه بضرورة التحرر من أوهام التراتبيات الزائفة، وما تنبني عليه من أحكام مسبقة، وصور نمطية وهمية، تضعف الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية. كان نداءً نابعا من قوة يقيني بأن الدولة الحديثة لا تقوم، في الأساس، إلا على مفهوم المواطنة بما يستلزمه من مساواة في الكرامة والحقوق والواجبات، وبما يتطلبه من تحرر من العصبيات القبلية، والفئوية، والشرائحية، المنافية لجوهره.
وإنني لراسخ القناعة بأن بلدنا رهين، في بقائه وفي تقدمه وازدهاره، بقدرتنا على تعزيز رباط المواطنة وحمايته في وجه التأثيرات السلبية لمختلف الروابط الأخرى.
ولذا لم أدخر جهدا، منذ أن توليت مقاليد الحكم، في سبيل أن يزداد رباط المواطنة رسوخا ومتانة ليكون الأساس الحصري لعلاقة الدولة بالمواطنين ودعامة الانسجام الاجتماعي والوحدة الوطنية.
وفي هذا الإطار عملنا، مثلا، على تكريس دولة القانون وأطلقنا المدرسة الجمهورية لتمكين أبنائنا من الاستفادة، في ظروف متماثلة، من خدمة تعليمية ناجعة ولترسيخ قيم المواطنة والمدنية لدى الناشئة. وميزنا إيجابيا في مدارس الامتياز بتخصيص مقاعد لأبناء أسر السجل الاجتماعي مع منحهم من الإسناد التربوي ما يؤهلهم للتفوق في هذه المدارس.
كما توسعنا في إنشاء وتعزيز الكفالات المدرسية، دعما لنسب الاستبقاء ومؤازرة للأسر الأقل دخلا. كما أطلقنا إصلاحا شاملا لمنظومتنا الإدارية بهدف جعلها أقرب إلى المواطن، وأقوى في تمكينه من إجراء معاملاته، ونيل حقوقه، بكرامة، وعلى أساس المواطنة حصرا؛ سعيا إلى أن يُحس الجميع، في مختلف أوجه التعاطي الإداري، وفي توفير الخدمة، بمساواة مطلقة في الواجبات وفي القدرة على استيفاء الحقوق.
كما حاربنا الهشاشة والفقر ببناء شبكة أمان اجتماعي لا تزال تتوسع من حيث عدد الأفراد المستفيدين وتتنوع من حيث أشكال الدعم التي توفرها كتحمل الدولة لتكاليف التأمين الصحي للأسر الفقيرة وإدراج الوالدين وجميع طلاب التعليم العالي في التأمين الصحي واستحداث مؤسسة الصندوق الوطني للتضامن الصحي التي تتكفل بالتأمين الصحي للأسر الأقل دخلا بمساهمة رمزية. ناهيك عن التسهيلات الاستشفائية العديدة من قبيل مجانية بعض الخدمات الصحية لكافة المواطنين، كالحجز، ونقل المصابين بحوادث السير، والنقل الطبي بين الوحدات الصحية، وأدوية الإنعاش والحالات المستعجلة، وأدوية السل، وتصفية الكلى وزراعتها، ومدخلات التغذية والتلقيح. علاوة على دعم التكفل بحزمة من الخدمات كعلاج النساء الحوامل، وأمراض القلب، والسرطان، والملاريا.
هذا علاوة على تأمين تحويلات نقدية منتظمة لصالح الأسر الفقيرة وتوفير المواد الغذائية المدعومة حماية للقدرة الشرائية لمواطنينا الأكثر ضعفا.
وحرصنا، كذلك، في الوقت ذاته، على إشراك الجميع في تدبير الشأن العام بتعزيز اللامركزية، وتوسيع النسبية، وبلوائح النساء والشباب، مع ضمان تمثيل ذوي الاحتياجات الخاصة.
كما توسعنا في تطوير الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم وبنى تحتية سعيا إلى توفيرها، في السوية، للجميع ربطا للحقوق بالمواطنة وتخلصا من الغبن والإقصاء.
هذا بالإضافة إلى عديد الإجراءات الأخرى التي من شأنها أن تساهم في ترقية مفهوم المواطنة وتاليا في تعزيز الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية.
ثم أكمل قائلا:
إننا نعي جيدا أن ما تحقق في سبيل تقوية رباط المواطنة وتعزيز اللحمة الاجتماعية، هو مما يقع على مسؤولية الدولة حصرا، وهي تدرك أنه، على أهميته، لا يكفي، بل لا بد أن يعززه تحول عميق في العقليات والمسلكيات، يتراجع بفعله التأثير السلبي للقبلية والشرائحية والفئوية على رباط المواطنة.
ويشهد تاريخ الأمم والشعوب على أن تحول العقليات والمسلكيات هو في العمق، مناط في الأساس بالنخب السياسية، والفكرية، والإعلامية، والفنية، وبالمجتمع المدني عموما، ولن تتمكن الدولة، منفردة، من إحرازه.
والغريب في الأمر أن نخب بلادنا مقتنعة بضرورة تعزيز الوحدة الوطنية وبأهمية ترسيخ مفهوم المواطنة، لكن تجاذباتها واختلافاتها ونزاعاتها تغطي غالبا على هذه القناعة، فيخرج بذلك هدف تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ مفهوم المواطنة عن دائرة أولوياتها ويتضاءل إسهامها في تحقيق هذا الهدف إن لم تشارك، بوعي أو بغير قصد، في إعاقته.
صحيح، أن الاختلاف والتجاذب في الرأي والمواقف أمر محمود، به تعيش وتتطور المنظومات الديمقراطية، وهو مرغوب لدينا، ونحترمه، ونعتبر أن لا غنى عنه مطلقا، لكنه لا ينبغي أن يكون على حساب أسس كياننا الاجتماعي ومشتركاتنا الأساسية، التي تقع على عواتقنا، جميعا، مسؤولية تعزيزها وتوطيدها.
وإن إجماعنا على هذه المشتركات وتكاملنا في تعزيزها وتوطيدها لا يقلص مطلقا الفضاء الواسع للاختلافات والتباينات التي هي روح الحياة الديمقراطية. ولذا يتعين علينا جميعا حكومة ونخبا سياسية وثقافية ومجتمعا مدنيا أن نكون يدا واحدة في حماية هذه المشتركات.
ولم أدع مؤخرا إلى إجراء حوار شامل لا يستثني طرفا ولا موضوعا إلا لقناعتي بضرورة بناء إجماع وطني شامل حول هذه المشتركات بما يزيد رباط المواطنة متانة ويعزز الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية.
ومعلوم بداهة، أن الإجماع حول المشتركات لن يستديم حاضرا ومستقبلا إلا بمشاركة فاعلة من شبابنا أمل أمتنا وقاطرة تحولها ونمائها.
وإننا لنعول كثيرا، على إسهام شبابنا بحيوية ونجاعة في ترسيخ رباط المواطنة وتقديمه مطلقا على ما سواه من الروابط الأخرى.







