مقالات وآراء

الاتفاق السري بين عزيز والغزواني: من التفاهم إلى القطيعة/ عالي محمد ولد أبنو

في العدد 1131 من يومية الحياة، الصادر بتاريخ 8 مارس 2016، نشرت الصحيفة سبقا صحفيا تناول تفاصيل ما وصفته ب”الاتفاق السري بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز والجنرال محمد ولد الغزواني”. وقد رسم هذا الاتفاق ملامح المرحلة المقبلة، محددا معالم انتقال السلطة وممهدا لترشيح محمد ولد الغزواني في انتخابات 2019 كخليفة للنظام القائم.

بعد أكثر من عقد في الحكم، بدا أن الرئيس ولد عبد العزيز يميل إلى التخفيف عن نفسه من أعباء السلطة مؤقتا والانشغال بترتيب بعض شؤونه الخاصة الملحة. هذا الخيار دفعه إلى إدخال تعديل أحادي على بنود الاتفاق، بحيث لم يعد مقتنعا بالعودة إلى قيادة الأركان بعد الرئاسة (باعتبار أن استقالته من المنصب عام 2009 لم تُستكمل إداريا). وبدلا من ذلك، سعى إلى موقع سياسي مباشر يصعب تحييده بقرار إداري مباغت، فاختار رئاسة الحزب الحاكم، والإمساك بخيوط البرلمان المنتخب عام 2018 والذي اختار هو نفسُه أعضاءَه بعناية واختار له رئيسا من خصوم غزواني العسكريين، مع الإبقاء على نفوذه داخل المؤسسة العسكرية عبر شبكة محدودة من الموالين القريبين من القصر. وقد رتب لذلك بترك لجنة مؤقتة لتسيير الحزب بانتظار عودته.

هذا التعديل لم يكن مجرد إجراء تنظيمي؛ بل حمل في طياته محاولة لإعادة إنتاج تجربة صيف 2008 في صيغة “انقلاب مدني” ، يقوم على حجب الثقة عن الرئيس الجديد، مستندا إلى ضمان ولاء البرلمان والعسكر في آن واحد. كانت الخطة تراهن على أن الجمع بين قيادة الحزب وهيمنة البرلمان وولاء العسكر سيتيح للرئيس السابق البقاء بوصفه اللاعب المركزي في المشهد، حتى وهو خارج القصر الرئاسي.

غير أن ولد الغزواني سرعان ما تكشفت أمامه أوراق ولد عبد العزيز واتضحت ملامح مخططاته، وإن كان الأرجح أن تلك المخططات كانت واضحة له منذ البداية، غير أنه آثر التغاضي عنها في انتظار اللحظة المناسبة للتعامل معها، فبادر إلى تحجيم الأذرع العسكرية لسلفه، وإضعاف شبكته داخل المؤسسات السيادية. وفي 28 نوفمبر 2019، اتخذ غزواني خطوات عسكرية ميدانية وإدارية مفاجئة ومتلاحقة بدت أقرب إلى انقلاب ناعم أنهت عمليا النفوذ السياسي والعسكري لولد عبد العزيز. بذلك، تمكن ولد الغزواني من تثبيت ولاء المؤسستين السياسية والمدنية، وإغلاق الباب أمام أي محاولة لإعادة إنتاج سيناريو العودة غير المباشرة إلى الحكم، في حركة تعيد إلى الذاكرة سيناربو “بول بيا” مع ” أحمدو أهيچو”.

لم يتوقف ولد عبد العزيز عند هذا الحد؛ إذ حاول العودة إلى الساحة من خلال تحركات إعلامية وسياسية محدودة، لكنها بدت باهتة أمام الرسوخ المفاجئ لسلطة خلفه. وفي ظل هذا الظرف، فُتح ملف العشرية، الذي شكّل نقطة انعطاف أساسية في مساره، إذ نقل المواجهة من المجال السياسي إلى ساحة القضاء، وأعاد تعريف مكانته داخل المشهد الوطني.

تكشف هذه التجربة أن ولد عبد العزيز كان يعتمد في الغالب على خطة واحدة لا بديل لها؛ فإذا تعثرت انهار معها كل شيء. وفي المقابل، بقدر ما كان ولد عبد العزيز يوظف الكلام كأداة لإدارة المشهد، كان ولد الغزواني يوظف الصمت كوسيلة أكثر فاعلية في ضبطه والتحكم في مساراته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى