تابعنا على فيسبوك

الدكتور سيدي ولد بيادة: المرأة في مختلف أسلاك الوظيفة العمومية تتخطى هامش 33% وهو قرابة الثلث

خميس, 04/10/2018 - 01:43

تحظى المرأة الموريتانية بمكانة كبيرة في المجتمع الموريتاني منذ القدم، وهي المكانة التي تليق بها كنصف المجتمع، وكأم وأخت وزوجة وابنة وغيرها، وقد أولتها الإرادة السياسة العامة ذات المكانة حيث تبوأت أعلى المناصب في مختلف التخصصات، كما شاركت الرجل في مختلف الوظائف التي ظلت إلى عهد قريب حكرا على الرجال.

والمرأة، في كل مجتمع وفي كل عصر، تواجه مصاعب وتحديات ومعوقات تستدعي الاهتمام بها وتقويمها ومعالجتها، وهي المصاعب والتحديات التي يهدد بعضها مستقبل المرأة ومكانتها في المجتمع،

ولنتعرف على المرأة الموريتانية ومكانتها قديما وحديثا، ودورها في التنمية، والمعوقات والتحديات التي تواجهها، ومدى حضورها وفاعليتها تستضيف لكم "الشعب" الدكتور سيدي ولد بيادة، الباحث المتخصص في قضايا المرأة وذلك ليسلط الأضواء على مختلف تلك النقاط الهامة

أجرى الحوار: أحمد ولد مولاي امحمد

---------------------------

الشعب: ما هي النسبة الحقيقية للنساء في مجتمعنا وفق آخر الإحصائيات؟

الدكتور سيدي ولد بيادة: تمثل النساء نسبة 50.7 % من المجتمع الموريتاني أي 1.794.294 حسب نتائج التعداد العام للسكان و المساكن 2013، غير ان هذه النسبة تكاد تكون كونية، حيث تمثل المرأة في اغلب المجتمعات ما يزيد قليلا على النصف.

الشعب: رغم ما تحظى به المرأة الموريتانية من مكانة كبيرة في بلدنا، حيث توجد حوالي 10 نساء في الحكومة، فضلا عن وجود المرأة في مختلف المناصب والقطاعات إلا أن العقليات السائدة تعيق مشاركة أوسع وحضورا أقوى في عملية التنمية الشاملة بدءا من معوقات متابعة الدراسة بفعل البعد وغياب محرم يوصلها ذهابا وإيابا او المستوى المادي للأسرة او بسبب الزواج إلى غير ذلك من العقليات والظروف. كيف يمكن لمجتمعنا ضمان مشاركة أوسع للمرأة في ظل محافظتها على الثوابت ؟

الدكتور سيدي ولد بيادة: أعتقد بأن وضعية المرأة الموريتانية الحالية وضعية مريحة نسبيا بالمقارنة مع ما كانت تعانيه من حرمان في العقود السابقة وذلك بفضل الإرادة السياسية الجادة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، تلك الإرادة النابعة من أهمية ضمان مشاركة جادة للمرأة الموريتانية.

وبالرجوع الى سؤالكم اعتقد أيضا بان مربط الفرس في مواصلة النهوض بوضعية المرأة هو نشر الوعي بأهمية مشاركتها و المزيد من التثقيف الأسري حول هذا الموضوع.

المرأة يجب أن تلعب هي نفسها الدور الأكبر من حيث إثبات الذات وإقناع المحيط الأسري والاجتماعي بجدارتها بالمشاركة و قدرتها على العطاء.

ولعل التجارب النسائية السابقة أفرزت شخصيات نسائية أثبتت أهلية المرأة للمشاركة و الريادة، غير ان الأمر – كما تفضلتم – لا يزال يحتاج للمزيد.

الشعب: التسرب المدرسي لدى البنات ظاهرة تتفاقم. هل لدى قطاعكم مقاربة او استراتيجية فاعلة لمواجهة هذه الظاهرة التي تدمر مستقبل المرأة والمجتمع والتنمية عموما؟

الدكتور سيدي ولد بيادة: نعم تنقطع العديد من البنات الموريتانيات عن الدراسة في سن مبكرة وذلك بفعل تضافر العديد من العوامل السوسيوثقافية و العوامل الاقتصادية، وهو ما  أدركته الحكومة و عملت على التخفيف من آثاره على أكثر من صعيد وذلك من خلال مقاربة تنبني على البحث في الأسباب ومحاولة القضاء عليها، وهي مقاربة أعطت الكثير من النتائج الطيبة.

ففيما يتعلق بالأسباب الاقتصادية يعمل قطاع الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة، ضمن جهود حكومة معالي الوزير الأول المهندس يحي ولد حدمين، على تراجع نسبة التسرب المدرسي وذلك من خلال برنامج وطني لمحاربة هذه المسالة، وينفذ في سبيل الوصول لذلك الهدف جملة من البرامج التنموية تسعى الى الرفع من القدرة الاقتصادية للأسرة الهشة وتوفير النقل في بعض المدن و القرى الأكثر تعرضا للتسرب المدرسي فضلا عن توزيع المعدات الدراسية.

وفي نفس السياق يتبع قطاع الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة، منذ زمن، مقاربة اقتصادية أخرى تعتمد تمويل المشاريع المدرة للدخل أساسا لها، وتستهدف الأسر الفقيرة والنساء معيلات الأسر.

وفيما يتعلق بالأسباب السوسيولوجية والثقافية، يسعى قطاع الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة كذلك الى بلورة وعي مجتمعي بأهمية تمدرس الفتيات ويتخذ في سبيل ذلك العديد من المقاربات الاتصالية التي تركز على تغيير المسلكيات ولديه أدوات تتمثل من بين أمور أخرى في:

مقاربة تكريم البنات المتفوقات ( وهو ما يحاول من خلاله إبراز النموذج)، مكافحة تزويج الأطفال (الذي يعتبر بدوره من أخطر الأسباب السوسيوثقافية للتسرب المدرسي)، كما ينظم حملات تحسيس واسعة تطال مختلف ولايات الوطن يستخدم فيها اكثر من وسيط اتصالي.

الشعب: هل لديكم، كمتخصص، تقديرات ونسبا مئوية للمرأة العاملة في الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية وفي القطاع الخاص وهل هي نسب تزيد أم تتراجع؟

الدكتور سيدي ولد بيادة: المرأة في مختلف أسلاك الوظيفة العمومية ودرجات تلك الأسلاك تتخطى هامش 33% أي قرابة الثلث، واعتقد بأنها في ازدياد دائما بفضل سياسة الحكومة المتبعة مؤخرا، حيث تم اكتتاب عشرات الشباب في العديد من أسلاك الوظيفة العمومية، وبالمناسبة تتابع الآن بالمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة و القضاء دفعة تزيد على المائة تحتل منها النساء أكثر من الثلث أيضا.

وبالنسبة للقطاع الخاص فإن تواجدها أيضا تواجدا معتبرا وفعاليتها كبيرة بالنظر الى حيوية النساء سيدات الأعمال ونضال المرأة الموريتانية، غير أن تواجدها الأكثر في القطاع غير المصنف يخفي دائما تلك الحيوية والإنتاجية.

وأنا متأكد من أن ذلك التواجد سيزداد مستقبلا لإيماني بجدية المرأة الموريتانية وتوجهها مؤخرا لتنظيم نفسها في القطاع الخاص، وهي جهود تنال الدعم الحكومي بكل تأكيد و نتمنى لها التوفيق والنجاح.

الشعب: تعتبر ظاهرة التحرش من الظواهر المنتشرة لدى غالبية المجتمعات لكنها في مجتمعنا المحافظ بطبعه تعيق تعليم البنات وعمل المرأة، وذلك بفعل خوف الأسرة على شرف بناتها وسمعتهن، ما هي برأيكم أسباب الظاهرة وكيف يمكن أن نواجهها رسميا؟ وهل توجد قوانين أو إجراءات رادعة؟

الدكتور سيدي ولد بيادة: هو مُضايقة، تحرش، أو فعل غير مُرَحَّب به من النوع الجنسي. يتضمن مجموعة من الأفعال ومن الانتهاكات التي قد تبدأ بسيطة لتنتهي إلى المضايقات الجادة التي من الممكن أن تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية، وصولا إلى النشاطات الجنسية، ويعتبر التحرش الجنسي فعلا مشينا. وهو عمل غير أخلاقي يدل على وجود مرض نفسي (حب الجنس العنفي)

والتحرش الجنسي يعتبر شكلا من أشكال التفرقة العنصرية غير الشرعية، وهو شكل من أشكال الإيذاء الجسدي (الجنسي والنفسي) والاستئساد على الغير.

ويعرف المركز المصري لحقوق المرأة التحرش الجنسي بأنه "كل سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة أو يعطيها إحساسا بعدم الأمان". ويعرف التحرش الجنسي على أنه أي صيغة من الكلمات غير المرحب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي والتي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما وتجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو عدم الأمان، أو الخوف، أو عدم الاحترام، أو الترويع، أو الإهانة، أو الإساءة، أو الترهيب، أو الانتهاك أو أنه مجرد جسد.

وإذا أخذنا بهذا التعريف للتحرش الجنسي (بحسب موسوعة ويكيبيديا) فإن التحرش موجود بالفعل في بلادنا وتعاني منه النساء الموريتانيات، وتمكن مواجهته رسميا من خلال مقاربتين : إحداهما ردعية من خلال سن القوانين والمصادقة عليها – ونأمل أن يري مشروع قانون النوع النور قريبا – والأخرى توعوية بحيث تستطيع المرأة ان تميز التحرش من غيره، وتكمن خطورة التحرش في كونه خطوة متقدمة جدا باتجاه الاغتصاب.

الشعب: ما هي منزلة المرأة في الموروث الثقافي في موريتانيا؟

الدكتور سيدي ولد بيادة: يشكل التراث بصفة عامة، عاملا أساسيا في بلورة الخلفية الثقافية لأي مجتمع، وبما أن قضية المرأة قضية مجتمعية بامتياز، فإن تأثرها بالتراث بمختلف أشكاله و أجناسه أمر لا مفر منه، ويعتبر الرجوع إليه عند محاولة البحث في أسباب تأخر مشاركتها في عملية التنمية، شرطا ضروريا لمعرفة تلك الأسباب والسبل الناجعة لتجاوزها.

ويعتقد البعض بأن المرأة في حد ذاتها ليست سوى مقولة ثقافية، يطلقها المجتمع على الأنثى (كما يطلق الرجل على الذكر)، ولعل ذلك ما يفسر التباينات السوسيوثقافية للنساء حول العالم، فالمرأة العربية ليست الإفريقية وليست الغربية وهكذا.... رغم توحدهما في الأصل البيولوجي الذي هو الأنوثة.

ويجد البحث في الموروث الثقافي مشروعيته من خلال اعتبارين أحدهما: إغناء الهوية من خلال الانفتاح على الآخر والمختلف والهامشي داخل ثقافتنا خاصة ما أصبحت شروط الحياة العصرية تقتضي تجاوزه، والثاني لفهم ذواتنا وعلاقتنا داخل النسق الاجتماعي وما يميز خصوصيتنا السوسيوثقافية، ومن ضمن الموروث الثقافي الموريتاني العديد من العادات و التقاليد وحتى الأمثال الشعبية والقصص.. تعرقل مسيرة النهوض بالمرأة في موريتانيا وتضعها في منزلة أدنى من الرجل.

وهو ما أدى أيضا إلى الفجوة الكبيرة القائمة بين التشريعات المحلية المتقدمة بالنسبة للعديد من بلدان شبه المنطقة، والواقع المعاش الذي تعرفه المرأة الموريتانية، بالرغم من إصلاح الكثير من التشريعات لتحقيق العدالة والمساواة وبذل المزيد من الجهود الرامية في مجملها لتجاوز هذه الوضعية أو للتحسين منها على الأقل.

 وترجع أهم أسباب هذه الفجوة إلى بعض مكونات الموروث الثقافي، كما أسلفنا، وما يشكله من مقاومة أي تغيير أو تطوير أو تحديث والتمسك بالعادات والتقاليد السلبية وقيم المجتمع الذكوري، بالإضافة إلى بعض التأويلات المتجاوزة للنص الديني التي تضع المرأة في مرتبة أدنى من الرجل وتقاوم جهود الإصلاح والالتزام بتنفيذ ما تم تعديله من تشريعات تهدف إلى حمايتها و تكريمها.

ومن هذه العادات و التقاليد عدم نفاذ بعض النساء للملكية العقارية في بعض مكونات المجتمع الموريتاني، بالإضافة إلى العديد من الممارسات الضارة بصحة المرأة مثل زواج الاطفال و الخفاض و التسمين ألقسري، والخجل دون المطالبة بالحقوق خاصة النفقة بعد الطلاق والخروج المبكر من بيت الزوج ساعة حدوث الانفصال، و الغيرة المرضية وتكريس الشعور بالضعف في الوعي الجمعي للمجتمع.

الشعب: هل لكم أن تحدثونا بشيء من التفصيل حول العنف الأسري أشكاله، دوافعه، وآثاره ؟

الدكتور سيدي ولد بيادة: العنف الأسري، تعدد في الأشكال و تشابه في النتائج. وهكذا يمكننا القول إن للعنف أنواع كثيرة، فمنه المادي المحسوس والملموس النتائج، الواضح على الضحية، ومنه المعنوي الذي لا نجد آثاره في بادئ الأمر على هيئة الضحية، لأنه لا يترك أثراً واضحاً على الجسد وإنما آثاره تكون في النفس

العنف المادي

1- الإيذاء الجسدي

وهو كل ما قد يؤذي الجسد ويضره نتيجة تعرضه للعنف، مهما كانت درجة الضرر

2- القتل

وهو من أبشع أنواع العنف، وأشدها قسوة، ولعل معظمها يكون دفاعاً عن الشرف

3- الاعتداءات الجنسية (الاغتصاب)

إذا عد القتل من أبشع أنواع العنف، فأعتقد أنه لا يوجد أبشع ولا أفظع من الاغتصاب، فبالقتل تنتهي حياة الضحية بعد أن يتجرع الآلام والمعاناة لفترة محدودة، أما في الاغتصاب فتتجرع الضحية الآلام النفسية طيلة حياتها

العنف المعنوي والحسي:

 1- الإيذاء اللفظي:  وهو عبارة عن كل ما يؤذي مشاعر الضحية من شتم وسب أو أي كلام يحمل التجريح، أو وصف الضحية بصفات مزرية مما يشعرها بالامتهان أو الانتقاص من قدرها

2- الحبس المنزلي أو انتقاص الحرية:  وهو أمر مرفوض كلية لأن فيه نوع من أنواع الاستعباد

3- الطرد من المنزل:  ويعد هذا النوع من العنف بمثابة الطلقة الأخيرة التي يستخدمها الأبوان عند عدم التمكن من تهذيب سلوك الابن الضحية

دوافع العنف الأسري:

إن الدوافع التي ينطلق الإنسان بمقتضاها نحو العنف الأسري يمكن تقسيمها إلى قسمين هما:

1- الدوافع الذاتية: ونعني بهذا النوع من الدوافع تلك الدوافع التي تنبع من ذات الإنسان، ونفسه، والتي تقوده نحو العنف الأسري، وهذا النوع من الدوافع يمكن أن يقسم إلى قسمين كذلك وهما

ب- الدوافع التي يحملها الإنسان منذ تكوينه، والتي نشأت نتيجة سلوكيات مخالفة للشرع كان الآباء قد اقترفوها مما انعكس أثر ذلك -تكويناً- على الطفل، ويمكن درج العامل الوراثي ضمن هذه الدوافع.

2- الدوافع الاقتصادية: إن هذه الدوافع مما تشترك فيها ضروب العنف الأخرى مع العنف الأسري، إلاّ أن الاختلاف بينهما كما سبق أن بينّا هو في الأهداف التي ترمى من وراء العنف بدافع اقتصادي

3- الدوافع الاجتماعية: إن هذا النوع من الدوافع يتمثل في العادات والتقاليد التي اعتادها مجتمع ما والتي تتطلب من الرجل -حسب مقتضيات هذه التقاليد- قدراً من الرجولة بحيث لا يتوسل في قيادة أسرته بغير العنف، والقوة، وذلك أنهما المقياس الذي يمكن من خلالهما معرفة المقدار الذي يتصف به الإنسان من الرجولة، وإلاّ فهو ساقط من عداد الرجال كما يقول المثل (الناس تغلبني و آن نغلب مولات خيمتي).

وأما عن نتائج العنف الأسري فمن أبرزها أن الأضرار المترتبة على العنف تتعدى من مورس العنف عليهم إلى أبعد من ذلك بكثير ولذلك ندرج الآثار المختلفة للعنف الأسري كالتالي:

1- أثر العنف على الفرد: زيادة احتمال انتهاج هذا الشخص -الذي عانى من العنف- النهج ذاته الذي مورس في حقه

2- أثر العنف على الأسرة: حيث إن أثر العنف لو توقف في حدود الفرد الذي عانى منه لكان الخطب أهون، ولكن الأمر يتعدى ذلك في التأثير على الأسرة ذاتها، سواء الأسرة الممتدة التي قد يحاول الشخص الذي يعنف انتقامه منها، أو التي سيكوِّنها مستقبلا ( النووية)ً، مما يجعلها مهددة بالتفكك في كل لحظة ولا يخفى ما لذلك من آثار اجتماعية وخيمة لعل من أشدها وقعا (التفكك الاسر

 3- أثر العنف الأسري على المجتمع: فغياب المودة والرحمة يهدد لحمة المجتمع وكينونته وتماسكه وبالتالي تتعطل المشاريع التنموية

نقلا عن يومية الشعب