العراق: سرقة القرن بين سيادة القانون وسيادة الحيتان
د. صلاح الصافي- خاص بالتواصل
لمن لا يعرف ما هي سرقة القرن تتمثل “سرقة القرن” باختفاء مبلغ 3.7 تريليون دينار عراقي بما يعادل نحو مليارين ونصف المليار دولار من أموال الأمانات الضريبية، وهناك من قال أنها تصل إلى (8) تريليون، وتم الكشف عنها من قبل عدة جهات معنية قبل نحو شهرين من انتهاء فترة حكم الحكومة العراقية السابقة برئاسة، (مصطفى الكاظمي).
وكشف كتاب رسمي صادر عن هيئة الضرائب أن مبلغ 2,5 مليار دولار، جرى سحبه بين سبتمبر 2021 وأغسطس 2022 من مصرف الرافدين الحكومي، عبر 247 صكاً مالياً، حرّر إلى خمس شركات، قامت بصرفها نقدا مباشرة.
ونور زهير أصبح أشهر شخصية في العراق بل يستحق أن يدخل موسوعة غينتس، هو نور زهير جاسم المكنى أبي فاطمة تولد (1980) من مدينة البصرة كان موظفاً في الموانئ العراقية، والآن صاحب شركات منها شركة مبدعون التي تم من خلالها سحب مبالغ كبيرة.
وعلى إثر انكشاف السرقة تحركت هيئة النزاهة والسلطة القضائية لتتولى التحقيق بالقضية وصدرت عدة أوامر قبض قضائية وكان أول المعتقلين رجل الأعمال، نور زهير.
وفي 24 أكتوبر 2022، تم إلقاء القبض على “نور زهير”، وذلك خلال محاولته الهروب خارج البلاد عن طرق مطار بغداد الدولي عبر طائرة خاصة.
وفي مؤتمر صحفي أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عن قيام “نور زهير”، بتوزيع أمواله على متنفذين من بينهم “سياسيين وإعلاميين”، ملمحاً إلى ارتفاع رقم سرقة القرن.
ووقتها أعلن السوداني أيضا إن القاضي المختص أصدر أمراً بإطلاق سراح نور زهير بكفالة، مقابل تعهده بتسليم كامل المبلغ المسروق خلال مدة أسبوعين، مشيراً إلى أن القسم الأكبر من المبلغ لدى المتهم عبارة عن عقارات وأملاك.
وينخر الفساد كافة مؤسسات الدولة والإدارات العامة في العراق، ورغم صدور إدانات قضائية إلا أنها نادراً ما تستهدف مسؤولين كباراً.
ويحتل العراق المرتبة (157 من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية عن (مدركات الفساد)، وغالباً ما تستهدف المحاكمات في قضايا الفساد في حال حصلت، مسؤولين في مراكز ثانوية، متحاشية الخط الأول أو ما يطلق عليهم بـ (الحيتان)
وقد أكد قاضي التحقيق أن “عملية سرقة التأمينات تمت من خلال شبكة منظمة وبتعاون من قبل مسؤولين في هيئة الضرائب وموظفين آخرين”، وكما يعلم الجميع أن الفساد في العراق مستشري وهو فساد مؤسساتي مستمر ومتغلغل فيكل مفاصل الدولة.
وبعد اكتمال التحقيق تم إحالته إلى المحكمة المختصة (محكمة الجنايات) وقد حدد يوم (14) من هذا الشهر موعداً لمحاكمته ولوجود المتهم خارج العراق وهذا أمر غريب أن يكون متهم بهذا الحجم دون أن يمنع من السفر تم تأجيل المحاكمة إلى يوم (27) القادم، وحضوره على ما أعتقد سوف يخرج القضاء لأن من الصعوبة بمكان أن يعود ويقف في قفص الاتهام دون ضمانات كافية. وهذا سيؤثر على سمعة القضاء بل يمس سيادة الدولة العراقية، والسؤال الأهم هل أن المتهم يمتلك هذه القدرات الخارقة لوحده؟، نقول من المستحيل أن يكون نور زهير والمتهمين الآخرين قاموا بسرقة القرن لوحدهم، بل هناك منظومة كاملة تقودها حيتان تسيطر على كل مفاصل الدولة وراء هذه السرقة، وهؤلاء الحيتان معروفون لدى أغلب السلطات، ومن يقترب منهم يحترق، وللعراق الله لا غير.