الفساد ومكافحة الفساد وصراع أرباب المال

خميس, 28/03/2024 - 17:10

ظهر الفساد أول مرة في تاريخ البلد منتصف التسعينات مع الأب الروحي للفساد معاوية ولد الطايع وظل يتصارع مع ما تبقى من مشروع الدولة، 
في كل لحظة كانت الطعنات تثخن جسم الدولة من قلبها النابض الجهاز التنفيذي إلى الأطراف المشاريع الحكومية نهبا للميزانيات ونفخا في الفواتير وتحايلا على شفافية الصفقات من خلال صفقات التراضي.
رضي المجتمع بقيم الفساد الجديدة عليه وحسب أصحابها أبطالا بعدما لم يعد للبطولة في هذا البلد من ميدان.
تم تصفية المؤسسات العمومية في إطار برنامج الخصخصة الذي أوصى به مهلك البلدان النامية البنك الدولي و بطريقة زبونية لم تعرف للشفافية طعما، فاستحوذ نافذون على تلك المؤسسات وبأثمان زهيدة فظهرت طبقة من رجال المال والأعمال رموزها من المحيط الاجتماعي للرئيس السابق معاوية وخليط من بقية أفراد المجتمع.
كانت تعطى لهم المشاريع بالنسب المئوية وأفل نجم بعض من رجال الأعمال الذين واكبوا نشأة الدولة والذين لا تزال بعض المنشآت التي تولوا تشييدها صامدة منذ أكثر من ستة عقود. 
مع انتهاء جمهورية الفساد الأولى وبداية النسخة المتحورة منها على يد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، فك الله أسره، خط لنفسه نهجا فساديا جديدا بدأه بتطوير الفساد من خلال مكافحة الفساد، ارتكز مشروع الفساد العزيزي على المرتكزات التالية:
انتقاء بعض ملفات فساد الزعيم "تطهيرا" للبلد من المفسدين و"استرجاعا" لممتلكات الشعب ممن سرقوه وهي عملية ظاهرها خدمة الوطن وباطنها استهداف حاضنة الرئيس السابق معاوية ومحفظة مال نظامه الخلفية التي كان يستنجد بها في أزمات الدولة فتقبض في الرخاء أكثر مما تعطيه أيام الضيق، 
فصلت الملفات على أشخاص معينين فزج بشيخين وبشاب من قيادات أحد البنوك وصمد الثلاثة في السجن ثم أخلي سبيلهم بدون محاكمة ولا ندري إن كانوا مجرمين أم هم مستهدفون. 
نتج عن ذلك الانتقاء في محاربة الفساد استبدال رجال المال والأعمال بآخرين من حاشية الرئيس عزيز  وصعود آخرين من المقربين منه من قاع الفقر إلى برج المال والأعمال.
وضع عزيز القيود في معصم بعض مسؤوليه وجعل الفساد محصورا في نفسه ووزراء الوزارات الدسمة وهو ما أظهرته محاكمة الفساد الانتقائية في عهد غزواني.
في موجة ثانية من متحور الفساد أطيح بقادة المال من أقارب عزيز ووضع تاج المال على رجل من خارج القريتين وبدأ هو الآخر يستحوذ على أهم المشاريع ويتنفذ في إمبراطورية المال بالبلد.
 هنا ظهرت منظمة الشفافية التي يترأسها شيخ سابق مقرب من أحد أباطرة المال الذي يتفرج على قطع الشطرنج تتحرك دون كبير نفوذ له في حركة البيادق.
نشرت المنظمة وثائقها للجمهور مظهرة الفساد في بعض المشاريع وحددت مؤسسة تابعة لأحدهم فاعتبر الأمر استهدافا وانتقائية فشكى قبل أن يحقق في الوثائق ليزج برئيس المنظمة في السجن في رسالة ذات أبعاد إلى من تسول له نفسه مكافحة الفساد.
إلى من وراء الشيخ المحارب للفساد أننا جاهزون للصراع فليبق كل في مكانه إنا هنا متنفذون، أو يستعد لتلقي الضربات ولن تكون في المرة القادمة ميدانها القضاء وإنما المال والأعمال.
أن الثقل المالي في البلد لن يظل في جهة واحدة فلكل نظام "الحق"  في انتقاء مركزه المالي ورجالاته وسيسقى كل من نفس الكأس التي سقى منها الآخرين.
وحدها الشفافية ومحاربة الفساد سيكونان ضحايا صراع أرباب المال.
سيخرج ولد غده بدون محاكمة كما خرج من سبقوه بعد أن يلتزم الكل حدوده ويستحضر  قوله تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
شيخنا محمد سلطان.