رئيس حزب الحركة الشعبية التقدمية لــ "التواصل": علينا التعامل مع ملف الهجرة كما تتعامل معه أوروبا وأمريكا

سبت, 17/02/2024 - 21:26

تشهد الساحة السياسية الموريتانية منذ بعض الوقت غليانا مناهضا لتوطين عشرات آلاف المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا في موريتانيا، وخاصة بعد تصريحات بعض كبار المسؤولين الموريتانيين، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، والتي أكد فيها أن موريتانيا تحولت من معبر للمهاجرين إلى وُجهة لهم.

كذلك يتساءل الموريتانيون عن تفاصيل الاتفاق بين موريتانيا من جهة وكل من إسبانيا والاتحاد الأوروبي، والتي تردد أن بموجبها ستحتضن موريتانيا عشرات آلاف المهاجرين الأفارقة سواء أولئك العائدين من أوروبا أو الذي يدخلون موريتانيا بنية الهجرة إلى أوروبا، وجرى الحديث عن حصول موريتانيا على مبلغ إجمالي قدره نصف مليار دولار على فترات مقابل إيواء المهاجرين من الصنفين، فيما تتحدث مصادر قريبة من النظام أن موريتانيا مسؤولة عن المهاجرين الذين عبروا من أراضيها باتجاه أوروبا والذين مثلوا قرابة 83 % من المهاجرين إلى إسبانيا وفق إحصائيات أوروبية، كذلك المهاجرين الذين يقيمون في موريتانيا بنية الهجرة.

وفي كل الحالات ثمة تحديات كبيرة تواجه موريتانيا في هذا الملف، مثل تحديات انتشار الجريمة بما في ذلك المخدرات وشبكات الدعارة وانفلات الأمن، فضلا عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية التي سيفرضها إيواء عشرات آلاف المهاجرين الأفارقة الذين لا يحملون، في معظمهم، أوراقا ثبوتية من جوازات سفر وجنسيات وبطاقات تعريف، وهو ما يجعل من إعادتهم إلى بلدانهم غاية في الصعوبة، كما أنه قد يقابل بالمثل من طرف الدول الإفريقية وخاصة تلك التي تقيم فيها جاليات موريتانية معتبرة.

ونظرا لهذه الوضعية الصعبة وما تشهده الساحة من غليان بفعل هذا الملف، توجهت مجموعة التواصل الإعلامية بأسئلة محددة، في هذا الموضوع، إلى رئيس حزب الحركة الشعبية التقدمية، قيد الترخيص، السيد أخيارهم ولد حمادي، للاطلاع على رأي النخبة السياسية الوطنية في هذا الملف الحساس.

التواصل: هل لديكم تفاصيل عن اتفاق موريتاني مع المفوضية الأوروبية وإسبانيا حول تمويل إيواء المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا في بلادنا، وهل تقبلون بمثل هذا الإيواء؟

الرئيس أخيارهم: أعتقد أن تصريح رئيس الجمهورية يختزل مضمون الاتفاق، فقد أكد في لقائه مع مسؤولة مفوضية الاتحاد الإفريقي، ورئيس الحكومة الإسبانية، أن "موريتانيا تحولت من منطقة عبور للمهاجرين إلى وُجهة لهم" هذا التصريح أكده الناطق باسم الحكومة الوزير الناني ولد أشروقة، وهو ما يجعلننا نتساءل: هل تتحمل موريتانيا مزيدا من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية؟ خاصة وأن المواطن الموريتاني يعاني في حياته اليومية بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتفشي البطالة واستشراء هجرة الشباب إلى الولايات المتحدة وأوروبا وبعض دول إفريقيا والخليج بحثا عن حياة أفضل؟  

وفي ذات السياق هناك تصريح آخر من وزارة الداخلية على لسان أمينها العام يذهب في اتجاه آخر غير ما ورد في التصريحين السابقين، وهكذا فثمة غموض ، وتضارب يستغرب الكثيرون الهدف منه ؟

اعتقد أن الاستضافة المؤقتة لمثل هؤلاء المهاجرين مع ضمان عودتهم لبلدانهم، أمر مقبول، خاصة وأن أغلبهم لا يملكون وثائق ثبوتية، وقد رفضت تونس والمغرب والجزائر وليبيا توقيع أي اتفاق مع المفوضية الأوروبية أو الدول الأوروبية يضمن إيواء ودمج هؤلاء في مجتمعاتهم لما يشكله ذلك من تهديد أمني وديمغرافي وغيره، فما الذي يرغم موريتانيا على توقيع اتفاق سيكون على حسابها بنتائجه العكسية؟.

إن تقارير عديدة تحدثت عن تفشي الجريمة بأنواعها في بعض بلدان شمال إفريقيا بسبب وجود أعداد هائلة من هؤلاء الأفارقة الراغبين في الهجرة إلى أوروبا، بما في ذلك انتشار شبكات الدعارة والمخدرات واختطاف الأطفال فضلا عن السرقة والسطو وغيرها من الجرائم، التي تهدد الاستقرار والأمن.

وفي مثل هذه الملفات بالغة الخطورة يظل من الضرورة وجود منظمات مجتمع مدني محلية وهيئات وطنية متخصصة هي من تعكف على معالجة ملف الهجرة وتحديد من يحق لهم البقاء في بلدنا ومن تجب عليهم العودة إلى بلدانهم، ولسنا مطالبين بالاعتماد على منظمات دولية خاصة إذا كانت ستتحكم في مصير ومستقبل بلدنا دون مراعاة مخاوف المواطنين والسلطات المحلية.

التواصل: بهذا المنطق، هل أنتم مع إعادة هؤلاء المهاجرين إلى بلدانهم، وتطالبون السلطات الموريتانية بتحمل مسؤولياتها في هذا الصدد لدرء المخاطر التي يمكن أن تهدد البلاد جراء إيواء عشرات آلاف الأجانب من مختلف الجنسيات؟

الرئيس أخيارهم: تدركون أن للهجرة أسبابا مختلفة، فمثلا لدينا في موريتانيا قرابة 150 ألف مهاجر مالي نزحوا بسبب الحرب في جارتنا الجنوبية، لذلك فهجرة هؤلاء اضطرارية وليست اختيارية وموريتانيا ملزمة أخلاقيا ودينيا باستضافة هؤلاء في انتظار انتفاء أسباب هجرتهم وعودة الأمن إلى شمال مالي، وهناك هجرة دافعها البحث عن العمل وأغلب المهاجرين هم من فئات الشباب، ولدينا عشرات آلاف الأشقاء الأفارقة من مالي والسنغال وغينيا الذين يعملون في موريتانيا ولكنهم ليسوا مجهولي الهوية ويحظون بوثائق إقامة رسمية، وغيرهم كثير من جنسيات مختلفة إفريقية وعربية، ولكن من الصعب استضافة عشرات آلاف المهاجرين الذين يتخذون من موريتانيا منطقة عبور أو إقامة مؤقتة لأن أعينهم على أوروبا، كما أن موريتانيا مطالبة بالتنسيق مع أشقائها في شمال إفريقيا لمواجهة خطر الهجرة والتوصل إلى تصور قابل للتنفيذ يحفظ لهؤلاء المهاجرين كرامتهم ويضمن أمن واستقرار دول شمال إفريقيا التي بدأت تقلق من الأعداد المتزايدة للمهاجرين وما ينجر عن وجودهم من تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية، خاصة وأنهم من ديانات مختلفة. وهكذا فأوروبا، التي هي وجهة هؤلاء مطالبة بإيجاد حلول تمكّن هؤلاء المهاجرين من البقاء في بلدانهم في ظروف حياتية أفضل حتى تضمن بقاءهم في بلدانهم لأنها في النهائية تخشى مما تخشاه دول شمال إفريقيا وحتى أوروبا وأمريكا مثل تغيير التركيبة الديمغرافية والتسيب الأمني وانتشار الجريمة وغيرها.

وأعتقد أن الحل يجب ألا يكون على حساب بلدنا ولا أي بلد آخر، خاصة وأن الشعب الموريتاني يعاني، كما أسلفت، ولديه من الأزمات والتحديات ما يجعله غير مستعد للمزيد من التحديات، وبالتالي فإن المقاربة المنطقية هي مساعدة أوروبا لدول العبور في شمال إفريقيا حتى تضمن تأمين حدودها من عبور موجات الهجرة هذه، ودعم الدول التي ينحدر منها المهاجرون لتمكينها من تأمين حياة معيشية أفضل لمواطنيها بما يشجعهم على البقاء في بلدانهم.

التواصل: تتزايد حدة الانتقادات للحكومة الموريتانية على خلفية الاتفاق المذكور مع المفوضية الأوروبية وإسبانيا، برأيكم هل تستطيع الحكومة إيجاد آلية مشرفة للخروج من هذا المأزق دون استثارة الأشقاء الأفارقة جنوب الصحراء.

الرئيس أخيارهم: أعتقد أن أغلب هذه الانتقادات موضوعية لأنها تنبع من مخاوف مشروعة بفعل تجارب شعوب ودول شمال القارة المطلة على البحر الأبيض المتوسط والتي اتخذها غالبية هؤلاء المهاجرين منطقة سكن مؤقت في انتظار فرصة العبور إلى الشاطئ الآخر نحو أوروبا، حيث نشاهد للأسف، وبصورة مستمرة، مآسي غرق مئات المهاجرين في عرض البحر، بحثا عن حياة أفضل.

ومخاوف مواطنينا، كما أسلفت، نابعة من تجارب حكومات وشعوب دول شمال إفريقيا حيث شهدت تفشي الجريمة بمختلف أنواعها وتهديد الأمن والاستقرار، فضلا عن زيادة الأعباء الاقتصادية على المواطنين هناك، فما بالك ببلدنا الذي يواجه صعوبات بالغة نعلمها جميعا ونتطلع إلى إيجاد حلول سريعة وناجعة لها وليس لمفاقمتها. لذلك فما يصرح به السياسيون ونخب البلد من المثقفين هو تعبير عن القلق على مصير البلد ومستقبله والخوف من المجهول.

إن من واجب الحكومة مراجعة أي اتفاق لا يخدم المصالح الحيوية للبلد وقد يتضمن بأي شكل من الأشكال تهديد أمن وسلامة الوطن والمواطن مهما كان حجم الضغوط والإغراءات، خاصة وأن الأولية لدينا حاليا يجب أن تنصب على إعادة دمج شبابنا الذين أبعدتهم الولايات المتحدة الأمريكية بحجة أنهم بلا وثائق أو لا توجد مبررات لإقامتهم هناك، وهو نفس الإجراء الذي يفترض أن نتبعه مع المهاجرين العائدين من أوروبا وأمريكا أو المتوجهين إليهما، كما أننا بحاجة إلى إيجاد حلول جذرية لأزمة البطالة المستشرية ولسنا في وارد تشغيل الأجانب ولدينا جيوش من العاطلين عن العمل في بلدهم.

التواصل: ما هو موقف الحزب في حال ما إذا تأكدت صحة الأخبار المتداولة حول الاتفاق المذكور؟

الرئيس أخيارهم: نحن في حزب الحركة الشعبية التقدمية، وكَكل الوطنيين الشرفاء في هذا الوطن ، نرجو، ونتمنى أن تنتبه الحكومة الموريتانية، والبرلمان إلى مسؤولياتهما في هذا الصدد، وفي حال عدم تحمل المسؤولية، لا قدر الله، والتفريط في المصلحة العامة من خلال إبرام اتفاق خطير بتبعاته المعروفة، فإننا لن ندخر أي جهد في التعبير عن الرفض الصريح والقاطع، وسنقف، وينبغي للجميع أن يقف معنا، في وجه كل ما من شأنه أن يعرض مستقبل موريتانيا للخطر لأن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ونحن لا نقبل تحت أي ظرف أن يبدأ استيطان جديد في موريتانيا قد يتحول إلى كابوس يقلق مستقبل شعبنا، كذلك الشأن بالنسبة لبلدان المغرب العربي.

بالإضافة لما سبق هناك ما نسميه اليوم المسكوت عنه، وهو الأخطر، فموريتانيا منذ أعوام وهي تستقبل الكثير من الأجانب، بشكل أخشى أن يكون فوضويا، حيث أصبحوا شبه مواطنين، لدرجة أن الناظر اليوم إلى بعض مقاطعات العاصمة يلاحظ أمورا ليست طبيعية، لذلك نرجو أن ينصب تفكير واهتمام القائمين على الشأن العام حول هذا المشكل، ومعالجته بشكل فوري بدل التساهل حول مشاكل أخرى أخطر وأعظم؟

وخلاصة القول، إننا نطالب الحكومة بتوضيح ملابسات هذا الاتفاق أو هذا الملف بشكل لا يبقى معه مجال للتأويل، ولا للذين يبحثون عن موجات يركبونها لزعزعة الأمن والأمان.

حوار:  أحمد مولاي محمد